[/SIZE]
نساء.. بانتظار ما يُرام
من وحي كتاب: "كل شيء ليس على ما يُرام" لـ عبد القادر عقيل
بقلم: زينب البحراني
حين أتممتُ قراءة كتاب"كلّ شيء ليس على ما يُرام/ مقالات وحوارات في الحركة النسويّة" الذيقدّمته مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع لمؤلّفه "عبد القادر عقيل" بينإصداراتها الجديدة خلال الدورة الأخيرة من معرض البحرين الدولي للكتاب، تحت غلافٍأمامي هادئ/جريء من تصميم الشاعر الفنان محمد النبهان؛ لم أشعُر برغبة في تقديممُلخّص للكتاب أو الاكتفاء بإبداء وُجهة نظر موضوعيّة إزاء ما جاء فيه قدر ماملأتني سطوره الجريئة بشجاعةٍ هائلة للإضافة على ما جاء فيها من خلال تجربتيالإنسانيّة كامرأة تتنفس الواقع المُجتمعي المُعقد في بيئة مُجتمعيّة عربيّة أرىأنها مازالت "ترجع كُلّ يومٍ ألف عامٍ للوراء" على حد تعبير الشاعر نزارقبّاني، مؤمنة أن التعبير عن رأيي بهذه الطريقة يُمثل ردّ فعلٍ أكثر إيجابيّة وتفاعلاًمع مضمون الكتاب، وتحقيقا لواحدٍ من أهدافه.
[/B]
قبل أعوام طويلة أهدتنيوالدتي مجموعة عتيقة من مجلات النهضة الكويتيّة الصادرة بين بدايات سبعينيّاتوثمانينيّات القرن العشرين، ومازلت أذكر جُملة من رسالة كتبتها إحدى القارئاتللكاتبة الصحفية المتألّقة ليلى أحمد؛ تقول فيها مُتحدّثة عن خلاص المرأةالمُعاصرة – في ذلك الحين- من القمع المُجتمعي: "وأبشّرك.. لا تنتظريه منرجُل". وأنا اليوم أبشر جميع النساء في هذا المُجتمع بعدم انتظار مفتاح أبوابالحُريّة من رجُل، أو امرأة، أو أيّ مخلوقٍ آخر غير أنفُسهن، فحتى أكثر الرّجالتحرّرًا، وتفهّمًا، وتأييدًا صادقا لحُريّة المرأة لا يستطيعون فعل أي شيء لأجلهاما لم تكُن واثقة تمامًا بقدراتها، وراغبة رغبة صادقة في الحصول على الحُريّة التيتؤمن بها وتستحقها. وهو أمرٌ يصعب تحققه في البيئات التي تستهلك الوقت والجُهد فيإقناع المرأة بكونها مُجرّد "كائن فائض عن حاجة المُجتمع" في كُلّ ما لايتعلّق بدورها البيولوجي الأنثوي المُكمّل لدور رجُلٍ آخر في الإطار ذاته؛ منذالرمق الأوّل حتى الرّمق الأخير. وأظن أن هذا أحد الأسباب النفسيّة الخفيّةللانفجار الطوفاني في عدد الرّوايات النسويّة التي تدور في فلك حُمّى الجسد؛فبينما تلحّ المُكرّسات المُجتمعيّة المُهيمنة على رؤى عقولهنّ الباطنة منذالطفولة مؤكّدة على أهميّة الجسد كـ"قيمة بيولوجيّة عُظمى" لوجودهنّبعيدًا عن أي قيمة روحيّة أو فكريّة أو إنسانيّة أخرى؛ يجدن أنفُسهنّ أمام إلحاحخارجي آخر يتوق إلى حُريّة من نوعٍ ما، ولأن بيئة المُجتمع غير صالحة لتعليمالمعنى الصحيح للحُريّة؛ فإن تلك الرّغبة المشوّشة في نوع الحريّة التي ينشدنهاتطفو على سطح أعمالهنّ المكتوبة في صورة صراعاتٍ جسديّة بلا حُلول نهائيّة. وبدلاًمن أن يؤخذ بأيدي تلك التجارب إلى طريق الحُريّة الأدبيّة الصحيحة على أمل الوصولبالمرأة العربيّة والشرق أوسطيّة – عمومًا- إلى حُريّة إنسانيّة حقيقيّة؛ تُقابلتلك النصوص والأعمال الأدبيّة بردود أفعال تُكرّس وجود التورّم ذاته في زاويةأفقيّة جامدة غير قادرة على الوصول إلى نتائج مؤثرة في الواقع المُجتمعي. وأكثرردود الأفعال تلك لا تخرج عن مسارين: النقد الأدبي الترحيبي، والهجوم المُجتمعيالقمعي، وكلاهما مُبالغ فيه وبعيدٌ الرأي الموضوعي، بينما نُلاحظ ازدواجيّة واضحةفي تفشّي الأعمال الأدبيّة التي تُنشر تحت أسماء مُستعارة لشاعرات وروائيّات يرفضننشر أسمائهن الحقيقيّة؛ فضلاً عن نشر صورهن على صفحات الصحافة المقروءة، أو الظهورالإعلامي الصّريح بأي وسيلةٍ كانت.
[B]من وُجهة نظري أرى أن كلّسلوكٍ يتم تحت ضغوطات إجباريّة هو سلوك مُضاد للحُريّة سواء تمثّل بالتعرّي الجسديالكامل أو التسربل التام بالسّواد من أقصى الرأس إلى أخمص القدم، والحُريّةالحقيقيّة الأصيلة تكمن في "اختيار" ما ترغب المرأة بفعله عن قناعةتامّة بعد تهيئة معرفيّة ومعنويّة تكفل لها حُريّة الاختيار دون وصاية خارجيّةسلطويّة؛ ذكوريّة كانت، أو مؤسساتيّة، أو مُجتمعيّة، وصولاً إلى مرحلة التصالُح المُطلقمع الذات والثقة بصواب ما تفعل مهما كان نوعه. وهو ما تُغفل أكثر الأعمال الأدبيّةوالفنيّة والفكريّة التي تُناقش قضايا المرأة والمُجتمع التطرّق إليه، ليبقى كُلّشيء في حياتها على غير ما يُرام.
[SIZE=3]