عمان : يجادل كثيرون في الساحة الاردنية في اهمية وقيمة ونتائج وقسوة الحراك الشعبي الذي ساهم في تغيير الكثير من الملامح العامة للدولة ولسقف الخطاب والنقد في المملكة المستقرة والتي تعيش مرحليا بحالة مخاض سياسية واصلاحية قد تنتهي بتغييرات جوهرية اكثر نهاية العام الحالي.
ولا يتوحد الاردنيون لا على الصعيد النخبوي ولا على الصعيد الشعبي في نظرتهم للحراك سواء عندما يتعلق الامر بالمشاركة فيه او التردد في تحديد موقف من نهاياته لكن وبصفة دراماتيكية ساهمت اخطاء النظام في الماضي واخطاء رجاله ومؤسساته في ادارة العلاقة مع حراك الحاضر في رفع سقف هتافات الشارع التي وصلت لافاق لم يكن من الممكن توقعها.
وسط هذا النقاش الحيوي تجلس اليوم مدينة الطفيلة الجنوبية متصدرة للمشهد فرغم احتفال معظم المسؤولين بحقيقة غياب الاعتقال السياسي والامني عن الخارطة منذ اكثر من عقد في البلاد الا ان الدوائر الامنية جازفت فيما يبدو باحياء الاعتقال السياسي بهدف السيطرة على ايقاع شباب مدينة الطفيلة حصريا.
تبين بأن كلفة الاعتقال السياسي على الدولة مهما كانت سيئة وتظهر انفصالا بين المواقف الاعلامية وتلك الاجرائية ستبقى اقل من المجازفة بترك الهتافات حرة تماما في مدينة متمردة تماما مثل الطفيلة. لذلك جازفت ادارة المستوى الامني بتوقيف ثمانية نشطاء شبان من اشرس قادة الحراك الطفيلي مع التلويح بتهمة اطالة اللسان دون اتخاذ اجراءات فعلية على الارض في هذا الاتجاه على امل ان يخفف الطفايلة الذين ولد ت الحراكات اصلا بينهم من غلوائهم في اطلاق الهتافات التي اخترقت جميع الخطوط والحواجز.
وعلى هذا الاساس كانت الاعتقالات السياسية رسالة ضمنية تقول بان النظام وخلافا لبعض الانطباعات لم يفقد الاوراق ولديه استعداد للمعالجات الامنية عندما تتطلب الظروف الميدانية لكن رسالة اخرى برزت امس الاول عندما صرح رئيس الوزراء عون الخصاونة بأن حكومته تفكر بالافراج عن نشطاء مدينة الطفيلة الذين تنظر لهم السلطات كسبب في انطلاق هتافات من الطراز الذي لا يمكن ولاي سبب التغاظي عنه.
وهذا الطراز من الهتافات التي تمس مباشرة مؤسسة القصر او شخوص الحكم والعائلة سبق ان تبرأ منها عدة مرات القيادي الابرز في جبهة العمل الاسلامي الشيخ حمزة منصور وسبق ان تحدث عنها رئيس الجبهة الوطنية للاصلاح احمد عبيدات عندما طالب السلطات ضمنيا بالتوقف عن استخدام ‘البلطجية’ الذين يشتمون الحراك في كل اعتصام ومسيرة ويعتدون على المواطنين حتى يتمكن هو والعقلاء في المعارضة السلمية من السيطرة على ايقاع الهتافات. والاشكال هنا برز في الميدان مع بواكير الحراكات فبعض الدوائر الامنية تغافلت فعلا عن مجاميع من نشطاء الولاء واحيانا البلطجية سمح لها بالتصدي للمسيرات السلمية ولم تتميز نشاطات هؤلاء بالانضباطية واللياقة والادب فكانوا يستخدمون الحجارة والالفاظ النابية والشتائم فياتي الرد من الحراكيين بشتائم تطال النظام ورموزه في متوالية هندسية اصبحت من مميزات الحراك عموما.
لكن اليوم تبدو الاوضاع في الطفيلة وغيرها اهدا قليلا فالنظام قرر من البداية انه من الخطا منع الحراكات السلمية اوالتعرض لها امنيا بسبب كلفة الامر دوليا وبالمقابل انجزت الحراكات تغييرات بنيوية في الحياة العامة تطلبت التنازل قليلا بموجب تعديلات دستورية عن بعض صلاحيات القصر الملكي وتغيير قانون الانتخاب والاستعداد لانتخابات نيابية لا احد يحتمل العبث فيها او تزويرها لان ذلك لو حصل سيدفع الناس للبحث عن ‘بديل في النظام’ كما قال المحامي والنائب السابق وعضو لجنة الحوار الوطني مبارك ابويامين.
كما تسبب الحراك بفتح ملفات فساد لم يكن من الممكن فتحها وبدا اليوم ان العودة لقواعد الادارة التي كانت سائدة في الماضي لم تعد خيارا.
لكن الحشد البشري الكبير الذي استقبل الملك عبد الله الثاني قبل ثلاثة ايام في جامعة اليرموك شمالي البلاد اظهر مجددا بان مؤسسة القصر الملكي لا زالت داخل حسابات اجماع الاغلبية العامة من المواطنين وبان هذه الاغلبية ليست بوضوح مع ‘اقلية الحراك’ التي ترفع سقف التحرش بالمؤسسة الملكية التي يطالبها الجميع بالتوازي بانقلاب اصلاحي ردا على تلويح بعض الحراكيين باستخدام مفردة ‘اسقاط النظام’ بدلا من ‘اصلاح’ النظام اذا لم يتم الافراج عن النشطاء المعتقلين.
ويمكن هنا حصريا ملاحظة بأن ولي العهد الشاب الامير حسين بن عبد لله ظهر في الشمال الى جانب والده وسط الحشود الجماهيرية الطلابية والتي كانت من النوع الذي لا يمكن تحشيده من قبل الحكام الاداريين بسبب طبيعة المكان والجمهور.
لاحقا وفي رسالة سياسية ايضا لا يمكن تجاهلها تفقد ولي العهد مركز السيطرة والتحكم التابع لمديرية الامن العام، الامر الذي يذكر الاردنيين عموما سواء من تحرك منهم بالشارع ام لم يتحرك بان المؤسسة الملكية معنية بالجميع.
بسام بدارين – عن القدس العربي .