مرة أخرى يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحرب الأهلية السورية هي بند الإجماع الوحيد بين جميع المعنيين بتلك الأزمة. هذا ما ينبئ به بيان مجلس الأمن الدولي الذي يختزل موقف المجتمع الدولي، ويختصر موقف الجامعة العربية، ويعكس الى حد بعيد مواقف السوريين الموالين لنظام الرئيس بشار الاسد والمعارضين.
اذا كان بيان المجلس هو الحد الأقصى لما يمكن ان يتوصل اليه المجتمع الدولي في مقاربته للأزمة السورية، فإن مضمونه يوجّه رسالة لا لبس فيها الى النظام والمعارضة بأن عليهم الاعتماد على انفسهم لكي يحرّكوا المواقف الخارجية، بما يسهم في إزاحتها نحو أحد طرفي تلك الحرب المستعرة، والمستقرة على قدر من التوازن الأمني الذي يحول دون التكهن بموعد الحسم او الحل.
خطورة البيان أنه يعلن العجز عن اقتراح بديل من الخطة العربية المبهمة والحركة الدولية المقيّدة، ويتوقع أن تفرز الارض السورية ذلك البديل في يوم ما، من دون مزاعم التصفية التي يعلنها النظام، وادعاءات الاستئصال التي تروج لها المعارضة… بينما يطمئن الجانبان الى ان الحتمية التاريخية هي في مصلحتها، استنادا الى قراءتهما المتسرّعة لوقائع من الماضي القريب او البعيد
الحرب الاهلية هي خيار الجميع من دون استثناء، داخل سوريا وخارجها: النظام الذي لم يعترف حتى الآن بتآكل شرعيته، والمعارضة التي لم تقر حتى الان بسوء إدارتها للمعركة، (ولم تكترث للاتهام الموجّه اليها بأنها تغطي ايضا انتهاكات واسعة لحقوق الانسان ولم تشعر حتى بالحاجة الى التفاعل مع هذا الاتهام الصادر عن مؤسسة دولية مرموقة مثل «هيومن رايتس ووتش» التي توثق جيدا فظائع النظام وتكشفها تباعا).
كان بيان مجلس الأمن هو القاسم المشترك الوحيد الذي يمكن التوصل اليه في هذه المرحلة التي تسجل بلوغ الخطة العربية المقترحة في كانون الثاني الماضي طريقها المسدود، كما تشهد على ان التدخل الدولي لمؤازرة تلك الخطة وضمان تنفيذها ليس سوى سراب تراءى لبعض السوريين… كما تبرر ضمنا خطة تسليح المعارضة، التي كانت تعويضا عن الفشل في التحضير لعملية إسقاط النظام بالطرق التي لا تتطلب انتظار نتائج حرب أهلية واسعة، وتبرر أيضاً فكرة روسيا الجديدة عن الحاجة الى توفير مخرج للنظام، على ما جاء في حديث أذاعي لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قبل يومين.
لا يمكن لاحد ان يزعم ان ذلك البيان يوفر مثل هذا المخرج، لا للنظام و لا للمعارضة، لكنه يتركهما لوحدهما، علّ الدم السوري يعلمهما انهما يستجيبان لنداء الإجماع الخارجي وتوقه الى تلك الحرب الاهلية التي تخدم مصالح الجميع من دون استثناء، حسب التجربة اللبنانية الماثلة في الأذهان، والتي تتكرر اليوم بشكل مروع، سواء باعتمادها على حماسة السوريين انفسهم وعلى تواطوء حلفائهم الخارجيين كافة.
لم يصدر مجلس الأمن بيانا، بل قرارا عالميا جماعيا بتنظيم الحرب الاهلية السورية، وتمديدها حتى ينكسر احد طرفيها.