تساهم الأرقام الرسمية في إخفاء الحقائق حول معدلات الفقر وتزايدها، مرتكزة في ذلك على أرقام العام 1999، إذ بلغت في حينه نحو 21 %، وتراجعت لاحقاً إلى مستوى 14.1 % خلال العام 2008.
مشكلة الفقر ليست في المعدلات والأرقام المطلقة، بل تكمن في الشعور المسيطر على الناس بفقرهم وعوزهم، خصوصا أن الشعور بالفقر والعجز أمام هذه المشكلة أعمق بكثير من حجمها بالأرقام.خلال السنوات الماضية، وتحديدا في فترة الازدهار الاقتصادي وانتعاش معدلات النمو، تنامى هذا الشعور نتيجة الفشل الرسمي في توزيع مكتسبات النمو، إذ للأسف لم تترجم تلك المكتسبات كعملية تنموية تنعكس على مستوى معيشة الناس.
وعمّق الإحساس بالفقر الشعور بالظلم، خصوصا في ظل غياب العدالة بين مكونات المجتمع، وتحديدا فجوة التنمية في الأطراف والمحافظات التي استشعرت بعد سنوات من الوعود أن لا شيء تحقق على أرض الواقع، حيث رسم المنحنى البياني لمستوى حياة أبنائها خطا منحدرا، وصار توفير متطلبات الحياة أصعب وأكثر تعقيدا.وما ساهم في تعميق الشعور بالفقر ضعف الإنتاجية وتوسع النمط الاستهلاكي التفاخري، الذي ولد قناعات لدى العامة بعجزهم عن توفير كل ما يجود به هذا النمط الاستهلاكي.
مشكلة الفقر وحجمه زادت بفعل السياسات الرسمية غير الجادة في التعامل مع هذا الملف، الذي يعد قضية سياسية أكثر منها اقتصادية، خصوصا أن إفرازات هذه المشكلة تجسدت في النهاية في حراك احتجاجي إصلاحي، فهم أخيرا أن العلاقة الزبائنية بين الدولة والمجتمع لم تعد تجدي، وأن المطلوب سياسات اقتصادية ورسمية تراعي العدالة وتعطي فرصا لتأسيس حياة أفضل.
فبعد سنوات من الحرمان والوعود التي لم تر النور، لم يجد الناس بداً من الخروج للتعبير عن رفضهم للرسائل الرسمية، والاحتجاج على كل السياسات الظالمة، بدءا من قانون الضريبة وليس انتهاء بطرق الإنفاق التي أضاعت مليارات الدنانير. لم يجد الناس مفرا من قول كلمتهم أملا في حياة أفضل، ووضع قواعد جديدة للعبة تكفل لهم الحد الأدنى للتنافس على الفرص المتاحة، على قلتها ومحدوديتها.
المهم أن من خرجوا للاحتجاج اليوم ليسوا الفقراء الذين يقل دخلهم الشهري عن 56 دينارا شهريا للفرد، بل هم بعض ممن يشعرون بالفقر والقهر والظلم وعدم الرضا عن كل ما ألمّ بهم خلال السنوات الماضية.
ملفا الفقر والبطالة كانا هامشيين، فعوملا كأي مشكلة عادية، رغم كل الدراسات والأبحاث التي أجريت حولهما، إذ بقي التعامل معهما سطحيا، ولم تتمكن كل الخطط من تخفيف الشعور بالفقر لدى الأردنيين.
يُترجم الاستخفاف بهاتين المشكلتين في كثرة التغييرات في وزراء التنمية الاجتماعية؛ إذ أدى تكرار التغيير في موقع وزير التنمية إلى إفشال كل الخطط وجعلها بدون نتائج تذكر.وأهم ما تركه الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة هو توريث الفقر للناس.
وعمّق ذلك ضعف التشبيك بين الجهات المختلفة التي تشترك في تنفيذ المشاريع، باعتبارها أبرز المعيقات أمام مكافحة الفقر في الأردن. خلال الفترة 2010-2012، تولى موقع وزير التنمية الاجتماعية وزراء كثر، ولم تثبت السياسات الرسمية على حال، وضاع الفقراء ومصيرهم بين التغييرات الحكومية وتبدل الوزراء.
وخلال هذا العام، سترحل الحكومة الحالية تمهيدا لإجراء الانتخابات، وستغادر الوزيرة وتأتي أخرى/ آخر، فيما أحوال الفقراء على حالها بدون تغيير يذكر، إن لم يكن للأسوأ!ما نأمله بعد انقضاء مرحلة الإصلاح المطلوب، هو أن تتغير معايير وأسس تعيين الوزراء والحكومات، حتى نبدل الحال بأحسن منه.
الغد