فيما يشتد الصراع وسياسة عض الأصابع بين المؤسسة والنخبة الرسمية من جهة، والتيارات السياسية وامتداداتها الشعبية والنخبوية من جهة أخرى، في ربع الساعة الأخير من شوط الإصلاح الأردني، يبدو “التخبط” والغموض سيد الموقف، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل يمتد الى التيارات المتصارعة والمتنافسة في الشارع، وأكثر تحديدا ودقة، بين نخب هذا الشارع.
نعم، ثمة خصوصية أردنية سياسية وديمغرافية، تظهر تجلياتها بصورة واضحة في الحراك الإصلاحي وبين ثنايا الشد والجذب الشعبي مع المؤسسة الرسمية في معركة الإصلاح التي وصلت أسئلتها وتحدياتها اليوم الى مرحلة الذروة قبل أن ترسم الصورة النهائية للحياة السياسية ولعبة إدارة السلطة للمرحلة المقبلة.
على المستوى الرسمي تبدو خطوات الشوط الأخير في معركة الإصلاح حافلة بالتخبط، والتنازع بين مدرستين في التعامل مع الحراك الشعبي والوطني المطالب بالإصلاح، يدفع الأول باتجاه مزيد من الاستيعاب للحالة الشعبية وتطوير الاستجابة الرسمية لتحدي الإصلاحات السياسية المطلوبة وحسم سؤال مكافحة الفساد الذي ما يزال يشكل صاعقا أساسيا للأوضاع وبين مدرسة واتجاه رسمي، بدأت ملامح الانحياز لخياراته، تظهر خلال الأسبوعين الماضيين بوضوح، ويدفع لاعتماد سياسة جديدة “غير محمودة العواقب” تجاه الحراك ونشطائه!
هذا على الجانب الرسمي، أما شعبيا، وعلى مستوى النخب غير الرسمية، فثمة بذور صواعق، لا تقل خطورة على الحراك الإصلاحي من محاولة الاحتواء الرسمي الخشن للحراك والاحتقان في الشارع.
ولم يعد مستغربا اليوم، ومع أجواء الربيع العربي واشتداد الأزمة السياسية والعامة في الأردن، أن تنهال التحليلات والآراء حول دور ثنائية الأصول والمنابت أردنيا في معركة الإصلاح وأبعادها التاريخية والحالية، والمنشود لها مستقبليا.وفيما يعيد رأي وازن حالة التعثر في استكمال النموذج الإصلاحي الأردني حتى اليوم، الى أبعاد متعلقة بالثنائية المذكورة، يمكن القول إن توظيف وجود هذه الثنائية، في الحالة الأردنية، باتجاه سلبي ومثير للقلق والتنازع، شكل سلاحا مهما لمراكز قوى وتيارات سياسية محافظة، ومتضررة من الإصلاح والتغيير، لفرملة الاندفاع واستكمال عملية الإصلاح السياسي، المقبولة شعبيا ووطنيا.
التوظيف السلبي لهذه الثنائية، لم يقتصر على تيارات ومراكز قوى رسمية أو مندرجة في عباءة الرسمي، بل تجاوزها لشرائح نخبوية في العمل الشعبي والسياسي والإعلامي، قد تكون محدودة العدد نسبيا، لكن خطابها، الذي ينزلق مرارا الى “شوفينية” وتقسيمية مقيتة، يجد بيئة خصبة للقبول والانتعاش هنا أو هناك، في فترات غياب الاستقرار المعيشي والاقتصادي للمواطن، وتراجع التنمية، وحالة الانسحاق أمام أعباء الحياة والأزمة الاقتصادية.
المطالبة بالإصلاح السياسي، والنضال في سبيله، والانخراط في حراكه وتوسيع الشرائح والفئات الشعبية والسياسية والنخبوية، التي تعمل لتحقيقه، هي مطالبة تعكس وعيا حقيقيا وإيجابيا من قبل المواطن والنخب، والتقاطا حقيقيا للحظة الربيع العربي، بما تمثله، في جوهرها، من نزوع نحو التقدم وتحقيق إنسانية المواطن العربي، وتحرير آفاق المستقبل أمامه.
إذا كانت المطالبة بالإصلاح السياسي موقفا إيجابيا ومنتجا وموحدا، يركز على البناء والتجميع، فإن حراك التفريق والقسمة، واستغلال السلبيات التي تمثلها “الثنائية”، والتنظير لانقسامات إثنية وصراع مصالح، بل وصراع وجود عند بعض المغالين، صراع قائم على انقسام عرقي وإثني “زائف” بين شعبين في وطن واحد، أقول إن حراك التفريق هذا يمثل قمة التزييف للوعي، ولا يمكن أن يكون نضالا ولا بناء، بل “شطبا” لإيجابيات التنوع، وتزييفا مسموما للتاريخ والحاضر وهدما للمستقبل، وضربا محكما لجبهة المضحين والمطالبين بالإصلاح، ويصب في طاحونة المتضررين من التغيير والإصلاح.
في المحصلة، فإن جهود وتنظير تيار التفريق، الذي يغلف خطابه بالنضال والسعي للإصلاح، يصب في خدمة أهداف المدرسة الرسمية، التي تدفع الى السحق الخشن للحراك الشعبي، أو القبول بإصلاحات غير مكتملة وغير حقيقية. فالإصلاح والربيع لا يمكن أن ينجزا ويكتملا إن بقي خطاب التفريق والصراع الديمغرافي حاضرا، أو تسيّد منظروه المشهد
الغد