حتى كتابة هذه السطور، وصل عدد شهداء المجزرة التي ارتكبتها دولة الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى أكثر من عشرين شهيدًا وثلاثين جريحًا، والتي تأتي بعد سويعات من عودة بنيامين نتنياهو رئيس حكومة دولة الإرهاب الإسرائيلي من بلاد العم سام محمَّلًا بأضواء خضراء وبوعود بتزويد دولة الإرهاب بأسلحة متطورة بينها قنابل خارقة للتحصينات.
المجزرة جاءت مثل بقية المجازر المرتكبة من قبل في توقيت تكون الحليفة والراعية والداعمة الأولى لدولة الإرهاب الإسرائيلي مشغولة بموسم “السخافات” (الانتخابات) الرئاسية، حيث استجداء صوت اللوبي الصهيوني وأمواله لتمويل الحملات “السخافية”، ولذلك لا غرو من أن يتعانق موسم الإرهاب الإسرائيلي مع موسم “السخافات” الرئاسية الأميركية التي تنتقل فيها السلطة بصورة تبادلية بين حزبين فقط (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) وفوق ذلك يملأ العالم زعيقًا وضجيجًا بأن عملية الانتقال هذه هي النموذج الأوحد والأمثل للديمقراطية التي يجب أن تعمل بها دول العالم.
إلا أن ما يندى له الجبين هو أن تتغنى بعض الفضائيات العربية والناطقة بها في نشراتها الإخبارية ومقدماتها بالمواقف البطولية لبعض العرب في مقارعة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في تجاهل تام للمجزرة الصهيونية في المقدمة والنشرة الإخبارية لقنوات، وتجاهل للمجزرة في المقدمة وجعلها في ذيل النشرة والمرور عليها مرور الكرام وعلى استحياء لقنوات أخرى، وكأن الأمر يوحي بأنه مدروس حتى لا يضيع المتابع ويتوه، فتفوته البطولة العربية في حلبة جامعة الدول العربية، حيث وصفت هذه الفضائيات تلك البطولة والشجاعة العربية بأنها غير مسبوقة، مصحوبة بالبكاء على ما يجري من ” قتل بدم بارد” في سوريا، في الوقت الذي كان هذا القتل بالدم البارد مستمرًّا في قطاع غزة. فقد كانت تلك البطولة دافعها التدخل العسكري الأجنبي في سوريا أو أضعف الإيمان تسليح المعارضة السورية المسلحة أساسًا والتي يأتيها السلاح والمال من كل مكان، تحقيقًا لرغبة قادة البيت الأبيض وعشرة داوننج ستريت والأليزيه، الذين حولوا المنطقة إلى إقطاعيات لتحريك عجلة اقتصادات دولهم.
وعلى الرغم من ذلك كانت الدبلوماسية الروسية كعادتها هادئة ومتعقلة، تسوق الأمثلة والدلالات على عدم فهم المواقف الروسية خطأ، وتشويهها وتلطيخها بسمعة سيئة وهي من كل ذلك براء، فتاريخها سواء كان أيام الاتحاد السوفييتي أو بعد انهياره يبقى مشرفًا بالمقارنة مع من تعملون الآن ـ أيها العرب ـ على مداهنتهم وممالأتهم وتقديم كل العون لهم وتسهيل تمرير مشاريعهم التآمرية على بلدانكم ونهب ثرواتكم وسلب سيادة دولكم وقراراتها السياسية والسيادية، تحت مسميات اتفاقيات حماية وتعاون اقتصادي وتقني واستثماري وعقود تسليح، وما هي إلا اتفاقيات مكبلة لحرياتكم وسيادتكم، وفي مقابل ذلك يدغدغون عواطفكم الجياشة بوعود كاذبة جوفاء، فتستلذ آذانكم لسماعها، وتنتشي صدوركم فرحًا بترديدها، ولكن تعالوا إلى أرض الواقع، أنظروا حواليكم، ماذا تفعل دولة الإرهاب الإسرائيلي بأشقائكم وإخوانكم على أرض فلسطين، فها أنتم تحاولون التحريض ضد روسيا في الوقت الذي ترتكب فيه دولة الإرهاب الإسرائيلي مجزرة بشعة بحقهم، ماذا أنتم فاعلون؟ تبصروا، فتشوا في أرشيف حكوماتكم، كم اتفاق تعاون وقعتموه سرًّا مع قتلة أشقائكم؟ وكم سلعة فتحتم لها حدودكم في إطار ما سمي باتفاقيات التجارة الحرة مع حلفاء دولة الإرهاب الإسرائيلي؟ اقدحوا زناد ذاكرتكم، كم فيتو استخدمته الولايات المتحدة الداعم الأكبر والأوحد لقتلة أشقائكم ولصوص شقيقتكم فلسطين التاريخية الذين مكَّنهم من القتل والسرقة واغتصاب الأرض العربية السلاح الأميركي؟ وكم قرار غطاه التراب في دواليب الأمم المتحدة يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي؟ تفكروا ماذا حل بأشقائكم العراقيين وبشقيقتكم دولة العراق؟ من الذي أخرجها من معادلة الصراع والتوازن الإقليمي؟ انظروا إلى ليبيا، من الذي دمر بنيتها التحتية وقسم ثرواتها، ويعمل الآن على تجزئتها وتفتيتها إلى دويلات متناحرة وبتخويل وبتسهيل منكم؟ وانظروا إلى السودان الذي انفصل جنوبه وجارٍ العمل على فصل غربه وشرقه، هل روسيا والصين هما من قاما بكل هذه الموبقات والمؤامرات؟ ومع ذلك تصرون على إلقام الأميركيين والأوروبيين ضروع ثروات شعوبكم ومقدراتهم، وترون فيهم نعم الأصدقاء المخلصين. لكن تعالوا إلى ما قدمته روسيا ومعها أيضًا الصين، لا تتحدثوا بلسانكم، اجعلوا التاريخ هو من يتحدث نيابة عنكم، كم دولة عربية استعمرتها روسيا والصين، وقادتا حروبًا غير شرعية خارج دائرة الأمم المتحدة؟ وكم مؤامرة حاكتها موسكو وبكين لتفتيت الدول العربية؟ أوليستا روسيا والصين من احتضنتا أشقاءكم الفلسطينيين أثناء نكبتهم وإلى الآن، وفتحتا مستشفياتهما وجامعاتهما وقدمتا الدعم المالي والسياسي لهم؟ ومن الذي كان له الدور الكبير في معركة عبور الجيش المصري الباسل لكنس الاحتلال الصهيوني عن أرضه والدفاع عن كرامة مصر، أليست روسيا والسلاح الروسي؟ وفي مقابل ذلك تكافئوننا بالتخوين والشتم والتشويه حين ندعو إلى اتباع أسلوب الحوار لحل الأزمة السورية، تجنبًا لتكرار سقوط حبة أخرى من العقد العربي.
في تصوري أن وزير الخارجية سيرجي لافروف استطاع أن يفحم الحضور في معرض الدفاع عن بلاده وموقفها من قضايا الشرق الأوسط وليس سوريا فقط، حين أعاد إلى الأذهان التأكيد بقوله: “إن روسيا لم تشن أبدًا حروبًا استعمارية في المنطقة، وإن علاقاتها الاقتصادية للأسف لا تقارن مع المصالح الاقتصادية التي يملكها لاعبون دوليون آخرون في الدول العربية، نافيًا أن تكون مصالح أنانية وراء موقف موسكو من قضايا المنطقة”، مشددًا على “أن الربيع العربي يجب ألا يصرف الاهتمام عن المسألة الفلسطينية، داعيًا الرباعية إلى عمل مشترك منسق وحكيم لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي”.
هناك أنباء ذكرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أن إدارة الرئيس باراك أوباما وحلفاءها وشركاءها الدوليين بدأوا نقاشات بشأن بلورة خيارات أخرى حول سوريا منها تدخل عسكري محتمل، رغم مواصلتهم الضغط من أجل حلول غير عنيفة للأزمة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين من الولايات المتحدة ودول أخرى مناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، أن هذه الخيارات تتضمن تسليحًا مباشرًا لقوى المعارضة السورية وإرسال جنود لحراسة ممر إنساني أو “منطقة آمنة للمتمردين” ـ حسب الصحيفة ـ، أو شن هجوم جوي على أنظمة الدفاع الجوي السوري.
وفي تقديري أن هذا التوجه سوف يتعزز، لكي تواصل دولة الإرهاب الإسرائيلي ارتكاب مجازرها ضد الشعب الفلسطيني، وبذلك يتم تشتيت الانتباه والتغطية على جرائم الحرب الإسرائيلية والحد من أي شحن محتمل، فالمطلوب أن تبقى أعين الشعوب العربية ـ كما أريد لها ـ مسلطة على الأوضاع في سوريا ولا غيرها، في حين تفتك دولة الإرهاب الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني، وفي تقديري أيضًا أن بعض الفضائيات العربية ستلعب دورًا في هذا الاتجاه. وحتى إذا توقفت دولة الإرهاب الإسرائيلي عن مواصلة مجازرها ونجحت الوساطة المصرية، فإن من الوارد أن يتم إجهاض مهمة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا بتسليح المعارضة، بهدف إنهاك الجيش العربي السوري والقوات الأمنية السورية لخلخلة النظام أملًا في انهياره من الداخل، وبالتالي فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية ستقدم خدمة لدولة الإرهاب الصهيوني بإزاحة نظام عرف بأنه ممانع، وفي المقابل، ستوجد وضعًا غير مستقر سينتج عن حرب أهلية مؤكدة، وستكون ساعتئذ سوريا على خطى ليبيا ـ إذا ما سقط النظام ـ في تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية متناحرة، ووضع كهذا سيخدم الكيان الصهيوني ولا شك، ووضع كهذا لا يعفي العرب من المسؤولية الأخلاقية جراء تهاونهم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والانتصار لحقوقه، وانصباب جهدهم في العمل من أجل إسقاط نظام الحكم في سوريا بحجة الدفاع عن حقوق الشعب السوري.