فيما كان الغرب يحاول الضغط على الكرملين للمساعدة في وقف اعمال القتل في سوريا كان دبلوماسيون من دمشق يزورون احد الأضرحة الكبيرة للكنيسة الارثوذكسية الروسية. وعلى هامش افتتاح معرض عن المسيحية في سوريا تحدث الدبلوماسيون السوريون للقساوسة واللاهوتيين الروس عن همومهم المشتركة وما سيحدث إذا أُجبر الرئيس بشار الأسد على التنحي.
وبات واضحا الآن ان روسيا تعارض التدخل الخارجي في سوريا شريكتها القديمة وآخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط.، ولكن ما هو غير معروف بالقدر نفسه من الوضوح هو موقف الكنيسة الارثوذكسية الروسية التي تخشى ان تقع الأقليات المسيحية وبينها الكثير من الارثوذكس، ضحية موجة من الاصولية الاسلامية يطلقها الربيع العربي.
ويستحضر البطريرك كيريل في تحذيراته اضطهاد البلاشفة الذي ما زال ماثلا في ذاكرة الروس مشيرا الى “حطام الكنائس المدنسة التي ما زالت في بلدنا”.
وبلغ هذا الموقف الداعي الى دعم زعماء على كرسي الحكم ذروته في حالة سوريا التي امتنع مسيحيوها البالغ عددهم نحو 10 في المئة من السكان عن الانخراط في المعارضة ضد الأسد بقيادة المسلمين السنة خوفا من الاضطهاد على أيديهم نفسها إذ سقط الأسد، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.، وإذا كان موقف الكنيسة الارثوذكسية لا يقرر السياسة الروسية فانه احد العوامل التي تحول دون التوصل الى توافق مع الغرب وخاصة في وقت يتسم الوضع السياسي الداخلي بالغموض لمن يحكمون من الكرملين.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن اندريه زولوتوف رئيس تحرير “روسيا بروفايل”، والخبير المختص بالشؤون الدينية “ان احدهم قال ذات مرة ان جورج سوروس هو المواطن الاميركي الوحيد الذي لديه سياسته الخارجية الخاصة”.، واضاف “ان بطريركية موسكو هي الكيان الروسي الوحيد الذي له سياسته الخارجية الخاصة به”.
ويعترف محللون غربيون بالمخاطر التي تهدد المسيحيين في سوريا ولكنهم يرون ان على الكنيسة ان تنأى بنفسها عن نظام الأسد وتستعد للانتقال السياسي.، وقال الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى اندرو تابلر “ان ما نراه الآن في سوريا هو نظام فاشل وإذا أراد المسيحيون ومن يناصرونهم ان يكون لهم مستقبل في المنطقة على المدى البعيد سيتعين عليهم الإقرار بأن ربط عربتهم بآلة القتل الوحشية هذه لا مستقبل له على المدى البعيد”.
وتعقد الكنيسة الارثوذكسية الروسية اجتماعات منتظمة مع وزارة الخارجية لبحث اجندتها الدولية ويعتبرها غالبية الخبراء متحمسة لدعم الكرملين.، ولكن مرت اوقات بدت فيها مقاصد السياسة الخارجية للكنيسة تختلف عن اهداف السياسة الخارجية الروسية.
وفي عام 2009 عندما حمل الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على نظيره الاوكراني فكتور يانوكوفيتش، نشر البطريرك كيريل مذكرة يشكر فيها يانوكوفيتش على الحفاوة التي لاقاها خلال زيارة اوكرانيا، كما لاحظ الخبير زولوتوف.
وقال زولوتوف ان التوتر كان باديا ايضا بشأن زيارة البطريرك كيريل لدمشق اواخر العام الماضي بعد تأجيلات متكررة ثم اجرائها في ظروف من التكتم الشديد.،، وكانت الأمم المتحدة أعلنت وقتذاك ان 3500 شخص قُتلوا في سوريا خلال حملة النظام لإخماد الانتفاضة بالقوة، وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا في محاولة لتشديد الضغط الدبلوماسي على دمشق.
وقالت صحيفة متروبوليتان هيلاريون “ان بعض المحللين حاولوا اقناع البطريرك بالعدول عن الزيارة قائلين ان هناك اضطرابات في سوريا وان نظام الأسد معزول دوليا ويتعرض لضغط هائل”.،واضافت الصحيفة “ان البطريرك لا يتوقف ابدا في مواجهة الصعاب وكان التعبير عن التضامن مع اغناطيوس بطريرك انطاكيا الذي يعرفه منذ ما يبرو على 40 عاما بادرة مهمة في هذا الوقت”.، واشارت الى قوله “ان أي تأويل لزيارة البطريرك الى سوريا على انها دعم لنظام الأسد تأويل لا أساس له”.
ورغم هذه التأكيدات فان صور موكب البطريرك مع نظيره السوري اظهرتهما محاطين على الجانبين بأشخاص يحملون صور الأسد.، وفي ظهور مع الأسد تعبيرا عن التعاطف أثنى البطريرك على معاملة سوريا للمسيحيين دون ان يأتي على ذكر ضحايا العنف. وقال الصحفي التلفزيوني المتخصص بالشؤون الدينية مكسيم شيفتشينكو ان زيارة البطريرك كانت تمثل نقطة انعطاف “وانها عززت الموقف الروسي من سوريا.، فهو شخصية واسعة النفوذ”.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن القس نيكولاي بالاشوف نائب رئيس قسم العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو ان الزيارة نجحت في تركيز اهتمام روسيا على سوريا مخترقة ما سماه “الحصار الاعلامي” الذي يتبدى في التغطية احادية الجانب للنزاع في وسائل الاعلام العالمية الكبرى.
وقال القس بالاشوف “ان الفوضى الدموية وحدها ستكون نتيجة المحاولات قصيرة النظر لزرع نماذج سياسية من اطار حضاري مغاير في منطقة توراتية دون مراعاة النظرة العالمية والقيم التي شكلت حياة الناس فيها منذ قرون وآلاف السنين”.، واضاف “ان رسم السياسة الخارجية دون أخذ العامل الديني في الاعتبار يمكن ان يفضي الى كارثة، والى موت آلاف وملايين”.
وقال اسامة مطر الذي يعمل طبيب عيون في روسيا منذ عام 1983 انه ليست لديه أوهام بشأن دوافع روسيا في الانتصار للمسيحيين السوريين من امثاله ولكن قلة من اللاعبين الدوليين الكبار يبدون اهتماما بمصير المسيحيين الشرقيين.
واضاف مطر “ان الغرب يعمل من اجل مصالحه وهو لا يكترث بمصيرنا”. وأكد انه لا يدافع عن نظام الأسد “فهو نظام دكتاتوري ونحن نعرف ذلك، انه نظام استبدادي، وانا افهم ذلك ولكن الآخرين لا يكلفون أنفسهم حتى اخفاء نيتهم في اقامة دولة اسلامية، وأساليبهم في القتال حيث لا يفعلون إلا اعدام الناس في الشوارع.، انها المعارضة وليس السطات وحدها، ونحن بين نارين”، على حد تعبير المسيحي السوري اسامة مطر.
المصدر – ايلاف
أكثر...