كتب: جهاد الرنتيسي/
تجربة جديدة من التجاوز على المعيار الانساني للجوء ، تكرسها وزارة الداخلية الاردنية ، وهي تؤجل افتتاح مخيم اللاجئين السوريين في سما السرحان ، خشية تسرب لاجئين فلسطينيين من الاراضي السورية .
جرت العادة ، ان يتم بناء مخيمات اللاجئين ، لاستقبال الهاربين من الحروب والكوارث ، التي تتهدد حياة البشر ، دون اية اعتبارات لاعراقهم واجناسهم والوانهم .
هذه الارضية لم تغب عن تجارب الدول التي تستقبل اللاجئين ، سواء كانت محاذية لمناطق الكوارث والنكبات او بعيدة عنها ، لان المقصود في فتح الابواب امام اللجوء ، انقاذ حياة البشر واغاثتهم ، واذا غاب هذا القصد يتحول القدوم الى هجرة او سياحة ، لا تتطلب بناء المخيمات .
التجربة الاردنية في استقبال اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب والقتل والابادة الجماعية كانت منسجمة مع جوهر فلسفة اللجوء واثبتت من خلال هذا الانسجام انفتاحا ووعيا بالهم الانساني .
لكن حالة من الانكفاء على الارث الانساني الاردني ظهرت مع حرب الخليج الثانية التي كان من بين افرازاتها تدفق موجات العائدين من الكويت .
ولان معظم هؤلاء العائدين من اصول فلسطينية اخذت حالة الانكفاء هذه طابع القلق من الفلسطيني .
اعلان المبادئ الفلسطيني ـ الاسرائيلي الذي دخل القاموس السياسي باسم اتفاق اوسلو فاقم هذا القلق وتبعته معاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية لتزيد الطين بلة كما يقول المثل الشائع .
منذ ذلك الحين تتم ترجمة هذا القلق في ادبيات السياسة الاردنية بتنويعاتها الرسمية والموالية والمعارضة بصيغ لا تقل عن تاجيل افتتاح مخيم سما السرحان من حيث شيطنة الفلسطيني باعتباره خطرا على الهوية والكيان .
في دهاليز الترجمة تاهت مقاييس الخطر الذي يمثله الفلسطيني وملامح مواطنة الاردني من اصول فلسطينية ولم ينته المطاف باللجوء الى قرار فك الارتباط المختلف عليه والذي ظهرت دعوات لقوننته باعتباره اداة فرز وحماية للوطن والكيان .
فوضى سحب الارقام الوطنية بدت اقرب الى محاولة التخلص من عضو فاسد في الجسد ببتره قبل ان يستشري المرض .
وامتدت هذه الفوضى لتطال حقوق مدنية , تكفلها القوانين , ويفترض صيانتها في دولة المواطنة والقانون , كحق الاردنيات في تجنيس ابنائهن ، لا لشئ سوى خشية حصول مزيد من الفلسطينيين على الجنسية .
تحت وطئة صراعات اجنحة الجماعة انسحبت فوضى قلق الهوية على اكبر تيار سياسي و دعوي في البلاد باصدار مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين همام سعيد فتوى تؤثم الذين حصلو على الجنسية بعد العام 1988 .
الطريقة التي يتم التعامل بها مع القلق ، سواء كان الفلسطيني المعني اردنيا او لم يكن ، لا تبتعد كثيرا عن نظرية ” النفايات البشرية ” التي ابدعها الوزير اللبناني نقولا فتوش ذات يوم ، وقد تكون اكثر قسوة من وصف المرشح الامريكي نيوت غينغرتش للفلسطينيين بانهم شعب مخترع , ولا تترك هذه الطريقة مجالا لتجاهل وصف الياس خوري للفلسطينيين بانهم يهود اليهود وعرب العرب كما جاء في رائعته باب الشمس .
يغيب عن الذين يشيطنون الفلسطيني سواء كانوا في مواقع رسمية او قيادات اخوانية او نشطاء سياسيين انهم يهيئون المشهد لازمات اعمق في البنية الاجتماعية بانتقاصهم من انسانية الفلسطينيين وحقهم في الحياة .
يجدر بالمسؤول الذي اجل افتتاح مخيم اللاجئين السوريين خشية قدوم لاجئين فلسطنييين ان يعي بان بين مواطنيه اردنيين من اصول فلسطينية وانه يمس عصبا عاريا باجرائه .