بدأ الاقتصاد الأردني يتحول الى قواعد اقتصاد السوق المفتوح، منذ ان قرر السير في طريق التصحيح الاقتصادي في مطلع العقد الاخير من القرن الماضي،و قد ساعده ذلك على تحقيق انجازات ملموسة على الصعيد الاقتصادي تستحق الاحترام. فقد جنب ذلك الاردن من الوقوع في ازمات كانت حتمية لو لم يغير الاردن مساره على الصعيدين النقدي و الاقتصادي.
لم يكن الاقتصاد الاردني في يوم من الايام اقتصادا مغلقا أو اشتراكيا، فقد تمتع الأردن بمرونة في سياساته الاقتصادية جمعت بين بعض مزايا السوق المفتوح ومزايا الاقتصاد الموجه، حيث حرص على توفير الحرية الاقتصادية للقطاع الخاص، مع تطبيق سياسة التدخل الحكومي من أجل خلق استثمارات في توليد الكهرباء و صناعة الاسمنت و تكرير النفط و النقل الجوي والنقل العام والتعدين . حيث كانت الحكومة تدخل في هذه الاستثمارات شريكاً أو ضامنا، لتحفيز القطاع الخاص على الدخول في استثمارات كبرى. وقد حققت هذه السياسة نجاحات تستحق التقدير للآباء المؤسسين سواء في الادارة أو التجارة.
غير ان بعض الحكومات قد اسرفت في تبني سياسة السوق المفتوح عن قصد أو دون قصد، دون ان تأخذ في اعتبارها الضوابط التي تلازم سياسة السوق الحر المطبقة في معاقل الرأسمالية. فقد تولى المسؤولية وزراء ظنوا أن اصدار تشريعات جديدة يحسب لهم انجازا، وأن صياغة برامج يسمونها استراتيجيات تبرز تفوقهم. بالرغم من وجود دراسات شاملة وفي كل المجالات تصلح أن تكون أساسا لمسيرة الوطن التنموية حتى سنة 2020، وكل ما هو مطلوب تنقيحها في ضوء المتغيرات والعمل على تطبيقها. وقد أدى ذلك الى كثير من التشتت والارباك بل والتراجع في أداء مؤسسات الدولة.
يمكن أن أضرب على ذلك أمثلة في مجال الصحة والتعليم و التعليم العالي والمياه والطاقة وتشجيع الاستثمار، ولكني أكتفي بمثال يتعلق بموضوع رئيسي في سياسة السوق الحر، وهو موضوع المنافسة ومنع الاحتكار.
لقد نشأت قوانين منع الاحتكار في معقل الرأسمالية حيث صدر اول قانون يحمي المنافسة في الولايات المتحدة الاميركية ، و منعت نشوء اتحادات بين المنتجين معلنة أو سرية (كارتلز) حماية للاقتصاد الوطني و للمستهلكين. لقد وضعت الحكومة في الأردن قانونا لحماية المنافسة ومنع الاحتكارعام 2002 ، لاستكمال الشكل القانوني لحماية المنافسة قانون المنافسة في الاردن. إلا انها تقاعست عن وضع الانظمة والتعليمات التي تمكن من تطبيق هذا القانون، فبالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على اصداره، مازالت المنظومة التشريعية تفتقر الى أنظمة تحدد معايير الهيمنة و الاحتكار وغير ذلك من القواعد التي تلزم لجعل القانون قابلا للتطبيق.علما بأن نصوص القانون مفرطة في الايجاز وتخلو من العديد من الأحكام الضرورية.
و لعل الاردن هو الدولة الوحيدة التي تسمح بقيام كيانات قانونية للمنتجين تتم بواسطتها الاتفاق بينهم على الممارسات الاحتكارية غير المشروعة. ولعل قيام المستشفيات الخاصة مجتمعة بدراسة زيادة فواتيرها بنسبة 15 % لمواجهة الارتفاع في تعريفة الكهرباء دون اعتبار لنسبة الزيادة في سعر الكهرباء من الكلفة الاجمالية للخدمات الطبية. وقبلها ذلك الموقف المشترك بين شركات التأمين في موضوع التأمين الالزامي. دليل على الحاجة الى اعادة النظر في هذا الواقع التشريعي المشوه.
اظن انه قد حان الوقت لان تستفيد الحكومة من ممارسات الدول الرأسمالية الحقيقية في وضع قواعد لضبط العلاقة بين المنتج والمستهلك.
الدستور