كتب : معن البياري-،أَغبط الزميل ماهر أَبو طير على بهجتِه في قراءَته كتاب “سلالة الطين”، والذي دوَّن فيه صاحبُه العراقي، عطا عبد الوهاب، سيرتَه وتجربتَه المثيرة في الحياة والسياسة. وأُشارك ماهر دعوتَه في مقالتِه عن الكتاب، في “الدستور”، السياسيين العرب أَنْ لا يغفلوا عن كتابةِ مذكراتِهم، وأُضيف إِليها، هنا، دعوةً إِلى أَصحاب التجارب الغنية من رجالات الأُردن، وكان لهم حضورٌ وعطاءٌ في غير ميدانٍ، في السياسةِ والاقتصاد والتعليم والعمل المهني، مثلاً، أَنْ يُدوِّنوا تجاربَهم وسيرَهم. وملحوظٌ أَنَّ المكتبةَ المحليةَ فقيرةٌ في هذا الأَمر؛ ما يجعلُ السؤالَ وجيهاً عن أَسباب ازورار النخب الأُردنية عن بسطِ ذواتِهم ومحطات حياتهم، بأَريحيَّةٍ متخففةٍ من الرسميات والبروتوكولية، أَمام الجمهور، على غير ما يفعل نظراؤُهم المصريون واللبنانيون، والعراقيون أَخيراً. ولذلك، قليلة جداً كتب أَهلُ الخبرةِ والسيرة المهنية الطويلةِ من الأُردنيين، وفيها التشويقُ واللطافةُ والسردُ الدقيق، والبعيدةُ عن النرجسيّة الزائدة ومديحِ الذات الفائض والمجاملاتِ وتصفيةِ الحسابات. ونظنُّ “تدوين المذكرات الوطنية” مشروعاً حيوياً بادَرت إِليه مديرية الثقافة في أَمانة عمان الكبرى، وجاء بديعاً أَنَّ كتاب الدكتور زيد حمزة “بين الطب والسياسة” كان باكورته، ولا يعرفُ كاتب هذه السطور ما إِذا كانت إِصداراتٌ أُخرى توالت بعدَه، لكنه يعرفُ القيمةَ اللافتة، سردياً وتوثيقياً، لذلك الكتاب الشائق، والذي أَخذ بالشروطِ الإبداعيةِ لكتابةِ السيرةِ الذاتية.
في البال أَنَّ عبد السلام المجالي أَصدر “رحلة العمر .. من بيت الشعر إِلى سدّةِ الحكم”، وأَنَّ مروان المعشر نشرَ بالإنجليزية “منهج الاعتدال .. فيما يُشبه السيرة”، وأَنَّ يعقوب زيادين دوَّنَ “البدايات”، قبل أَزيد من ثلاثين عاماً. وأَنَّ الراحل جمال الشاعر كتب “سياسي يتذكَّر” و”50 عاماً في حزب البعث”، وأَن للراحل كمال الشاعر كتابه “من الدار إِلى العالم .. سيرتي والمهنة”، وأَنَّ الدكتور محمود السمرة أَشهر سيرتَه في “إِيقاع المدى”. وفي البال، أَيضاً، أَن صخباً ثار بشأْن مذكرات نذير رشيد “حساب السرايا وحساب القرايا”، جعل دار الساقي، ناشرة الكتاب، تفرم نسخَه ولا تحسِبه من إِصداراتها، وجرى في الأُردن منعٌ، موسميٌّ ربما، للكتاب، كما سيرةُ البعثيِّ العتيق، ضافي الجمعاني، “من الحزب إِلى السجن”. وعسيرٌ على المتابع أَنْ يزيدَ كثيراً إِلى تلك الكتب، وميسورٌ له أَنْ يفتقد مذكرات وسيراً وتجاربَ مسجلةً موثقةً للمحفوظة أَلقابُهم، والمدعو لهم بطول العمر: أَحمد اللوزي وزيد الرفاعي ومضر بدران وعبد الرؤوف الروابدة وطاهر المصري وأَحمد عبيدات وعبد الكريم الكباريتي وفايز الطروانة وعدنان أَبو عودة ومروان القاسم وخالد الكركي وعبد الهادي المجالي وعبد اللطيف عربيات وناصر الدين الأَسد وإِسحق الفرحان وعبد الكريم خليفة وعبد الرحمن ياغي وفخري قعوار وجواد مرقة وغيرهم كثيرون، كانوا فاعلين ومشاركين وشهوداً في محطاتٍ غير قليلةٍ في تجربة الأُردن في النهوض والفعل السياسي والتنموي والإداري، وقبل ذلك وبعده، في السلطةِ والحكمِ ودواليبِ صنع القرار. وليسوا منسيين أَهلُ الإعلام والفن والأَدب من افتقادِنا مدونات تجاربِهم، وقد أُشير لمن تُوفي؛ قيثارتُنا، توفيق النمري، أَن له يومياتٍ مخطوطةً ومحفوظة، ويكون شائقاً لو يُصار إِلى تحريرِها وتبويبِها وتهيئتِها للنشر.
هي دعوةٌ شديدةُ الإلحاح، هنا، إِلى أَن نغتبط، ومعنا ماهر أَبو طير، بقراءةِ سيرٍ ثريّةٍ ومثيرةٍ، لمن هم مطالبون بكتابتِها وتوفيرِها لنا، من صُنّاع خياراتِ الأُردن ورهاناتِه وكلِّ جمالٍ فيه، وكذا أَمنِه وأَمانِه.(الدستور)