إنها الحرب التي لم تشبع عبر التاريخ الانساني والبشري. تتطاير كلاما فوق شفاة الأقوياء كأنها نزهة في الطبيعة أو تحت ضوء قمر صيفي. هي الغبار الذي يجلل الأرض منذ تكوين الانسان فيها، وهو المعرفة التي تعرفنا على أكثر التاريخ إن لم يكن كله ، وهي في النهاية الدم الذي يجري في عروق الانسان والذي لا يمكن تغييره كما يقول تولستوي في روايته ” الحرب والسلم”.
يبشرنا هنري كيسنجر بأن ” الحرب تقرع طبولها ومن لا يسمعها يكون مصابا بالصمم”.. وهل غير الحروب في هذا العصر اشتقاق اميركي صرف وتوقيع اسرائيلي مستمد من الروحية الاميركية. العالم لعبة في يد الكبير، وعلى الصغار أن يكتموا أنفاسهم اذا ماتحدث او قرر حدثا كبيرا او صغيرا. كأنما كيسنجر يتحدث عن دعوة الى وجبة في مطعم ، او عن رحلة في طائرة مكيفة فوق صحراء قاحلة. الحرب بالنسبة للأميركي صورة من عندياته ومن ثوابت شخصه ومن قيمه التي حملها تاريخا، مع انه كثير الادعاء بحقوق الانسان الذي لم تبقه السياسة الاميركية انسانا، فيما صنعت القوة الاسرائيلية منطقة الشرق الاوسط مناحة دائمة قائمة على الدموع التي ترافقها دائما موسيقى جنائزية.
عمر التاريخ اذا قلنا هو الحروب، المنجزات التي نعايشها مرت بتواز مع صليل السيوف ومن أصوات المدافع ومع تجربة القنبلة الذرية وأثرها على الانسان. عرفنا الحضارة لكنها كثيرا ما دمرت بحدثين، أما الحروب او الزلازل، مع أن السيطرة الثابتة هي للحروب وحدها، والتي حققت تاريخيا ما عجزت عنه الطبيعة. العداوة ولادة، والقتل ولادة ايضا. كثيرا ما تبدأ الحروب بالكلام كما يجري بين الولايات المتحدة واسرائيل من جهة ضد ايران، يذهب رئيس وزراء اسرائيل الى الولايات المتحدة وعلى رأس أهدافه منطق الحرب الذي لايحتاج لقناعة اميركية والمؤمنة بانها الطريق الأسلم ” لسلم ” على طريقتها. وقديما قال سارتر كلمته المشهور ” كلما تحدثنا عن السلام كان علينا ان نستعد للحرب”.
في القاموس العالمي مئات الحروب يكاد يكون أبرزها ماحصل في القرن العشرين من حربين عالميتين صنعتا من جسد الانسان ووضعتا عقله في الخوف الدائم. ومع كل الشدة التي خلقتهما تعاظمت الحروب بعدها، حروب عالمية صغيرة ولكن بأيدي آخرين تحركهما قوى عظمى، يتقاتلون بديلا عنها ويسجلون باسمها محطات غادرة في تاريخ البشرية.
تخترع الأسلحة وحدها ضد الانسان في أي مكان.. تسخر عبقرية الاختراعات لتدمير البنى وسحق من فيها.. بالكاد ان تموت الصراصير والجرذان وشتى الحيوانات فيما يحصى قتلى البشر لتكون أرقاما بلا قيمة، ثم تنسى كالعادة في سجلات التاريخ.