كما في دول عديدة، ينظر كثير من المواطنين في الأردن إلى فئة التجار بعين الريبة وعدم الثقة، ويحملونها دوماً، الجانب الأكبر والأهم في المسؤولية عن ارتفاع الأسعار.
ويتهمون التجار، بسبب ذلك، بمختلف التهم. وأكثر ما يصبون جام غضبهم على تجار السلع الضرورية، ذات مرونة الطلب الأقل بلغة الاقتصاد، نظراً لشدة الحاجة إليها.
ما يجعل المواطنين أكثر سخطاً على تجار المواد الغذائية من بين فئات التجار.يثير الطرافة انضمام الحكومة إلى المواطنين، في حالات غير قليلة، لكيل التهم للتجار بالمسؤولية عن ارتفاع الأسعار، والمشاركة في استغابتهم. وكأنها بذلك ترد التهم عن أجهزتها بالتقصير في القيام بواجبها في تنظيم السوق بمعايير وقواعد محددة وشفافة، ومراقبة أداء أطراف السوق ذات العلاقة لضمان تقيدها بها، والكشف عن المخالفين لها، وتحديد ما ارتكبوه من مخالفات، وتعريضهم للمساءلة، والعقوبة إذا لزم الأمر.
لا أحد ينفي وجود بعض التجار ممن ينتهزون الفرص التي تسنح لهم، في غياب قواعد تنظيم السوق والرقابة المنظمة على أدائها، لتحقيق أرباح غير عادلة، شأنهم في ذلك شأن البعض من غيرهم في المهن الأخرى. لكن التعميم على كامل التجار، وفي جميع الأحوال، ليس منصفاً بحقهم، خصوصاً في ظل عدم قيام الأجهزة الرسمية بكامل دورها التنظيمي، الكفيل بإغلاق المنافذ والفرص أمام من لديهم الاستعداد لاستغلالها، إذا ما أتاحتها لهم الاختلالات في السوق.وعندما يتعلق الأمر بالأسعار، فالجهات الرسمية المختصة هي الأقدر من غيرها على الحصول على البيانات والمعلومات الخاصة بتكاليف إنتاج السلع المحلية، وأسعار السلع المستوردة وتكاليف شحنها. ومن واجبها بناء نظام معلومات خاص بذلك، يتضمن قواعد للبيانات التي تحتاجها بهذا الخصوص، والعمل على تحديثها بصورة دائمة.
وهو ما يتيح لها تقدير ما إذا كان ارتفاع الأسعار ناجماً عن استغلال من قبل التجار أم عن أسباب أخرى.وبالإضافة إلى اعتقادي بالدور الحاسم للحكومة في تنظيم السوق ومراقبة الأسعار، لدي شخصياً -من واقع تجربة عملية طويلة- اعتقادان بشأن ارتفاع الأسعار؛ الأول، اعتقاد أميل إليه وأرجحه، وهو أن الارتفاع المفاجئ والعالي في الأسعار، مرده بالدرجة الأولى وبشكل رئيسي التضخم في الأسواق العالمية. والثاني، اعتقاد أجزم به، وهو أن ثمة حساسية مفرطة لدى المواطن الأردني تجاه ارتفاع الأسعار، سببها انخفاض دخله.
وهذه مسؤولية الحكومة دون غيرها، التي نجحت في غفلة من الزمن في ترك موظفيها برواتب متدنية، قاس عليها بدوره القطاع الخاص وارتاح لها.من غير العدل أن يكون التاجر مداناً حتى تثبت براءته، خلافاً للقاعدة القانونية التي تبرئ المتهم إلى أن تثبت إدانته.
وليس من المسؤولية بقاء حال السوق بدون تنظيم شامل ومراقبة حثيثة من قبل الأجهزة الرسمية، أو إبقاء الدخول بمنأى عن التعديل طبقاً لنسب التضخم، ما يترك لدى المواطنين حساسية مفرطة تجاه ارتفاع الأسعار، تتسبب باستمرار اتهاماتهم للتجار بالاستغلال، وتواصل احتجاجاتهم ضد الحكومة لتقصيرها في رعاية مصالحهم، ومطالباتهم لها بدعم الأسعار.
ليس الموضوع في جوهره الدفاع عن التجار، وإنما إظهار العوامل المختلفة المسؤولة عن ارتفاع الأسعار، حتى لا يؤدي إلصاق كامل المسؤولية بجهة واحدة، وتفلت جهات أكثر ربما كانت تتحمل المسؤولية الأكبر.
فلتضخم الأسعار في الأسواق العالمية دور في ذلك، ولتقصير الأجهزة الرسمية في أداء دورها في تنظيم السوق دور أيضاً، ولتدني دخول المواطنين دور هو الآخر، وتؤول المسؤولية عنه إلى الحكومة.
الغد