د. عمر الحضرمي
إن المطالبة بيهودية الدولة في إسرائيل يتطلب تغيير كل المفاهيم، وتبديل كل الحقائق، ولعل أهمها وأخطرها إغلاق ملف حق العودة للفلسطينيين، وفتح ملف مصير عرب الثمانية والأربعين، حتى من يحمل منهم الجنسية الإسرائيلية، على اعتبار أن لا حق لهم بالبقاء على «الأرض» الإسرائيلية لأنهم يحملون ولاء لغيرها، وهي فلسطين التي هي، حسب الطرح اليهودي الجديد، غير موجودة أصلاً. لذلك فإن الدولة «اليهودية» الجديدة تغدو مالكة لكل الحق في طرد أي فلسطيني، ولو لأتفه الأسباب، وذلك لأن عدم شرعية وجوده قائم، منذ البداية، مع إعلان يهودية الدولة. وأكثر من ذلك فإن إعلان يهودية الدولة يعني انتهاء كل الطروحات والمشاريع والمبادرات السلمية، وتوقف جميع المفاوضات السابقة واللاحقة ابتداءً باوسلو وانتهاء بما هو قادم، إن كان هناك شيء قادم.
حتى ما يطرح الآن من مقترح إقامة الدولتين، تفسّره إسرائيل وبكل جرأة وجدّية على أساس أنه يبدأ وينتهي بضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة. واستعداداً للمراحل القادمة فقد بدأت إسرائيل بتكثيف عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي حتى يسهل طرد السكان العرب من أراضيهم. وتقول بعض الإحصائيات العامّة إن العرب كانوا يملكون ما نسبته 7 دونمات للفرد، أصبحوا اليوم لا يملكون أكثر من 10% دونم للفرد، وذلك بعد أن تمت عملية نزع الأراضي، الأمر الذي أنتج «عربياً فلسطينياً جديداً»، فهو بلا أرض أولاً، ولا يملك حق «المكان» ثانياً. وبما أنه ليس يهودياً فيصبح من الضروري طرده إلى خارج الدولة.
أما قضية الحقوق المدنية، التي تتشدق إسرائيل بأنها قائمة على المساواة بين جميع سكانها، فهي قضية مكذوبة، إذ أن على العربي، إن أراد حقوقاً مدنية، مقايضة ذلك بالخدمة العسكرية مثلاً، أو بخدمة مكوّنات القدرة العسكرية الإسرائيلية، وإنْ رفض ذلك فهذا يعني أنه ضد الدولة، مع العلم أن هناك العديد من الإسرائيليين الذين رفضوا رفضاً مباشراً الذهاب إلى الخدمة العسكرية، ومع ذلك لم يفقدوا حقوقهم المدنية وأولها حق تملك الأرض والمكان.
أما حكاية القدس فإنها أصبحت تشكل محوراً من محاور تهويد الدولة، إذ أن إسرائيل تطالب، قبل أي خطوة تفاوضية، أن يتم الاعتراف بالقدس «كعاصمة للشعب اليهودي»، وهذا يعني بكل بساطة إنتهاء موضوع القدس تماماً.
والغريب أن الإسرائيليين، سواء كانوا متديّنين أو علمانيين، فإنهم جميعاً يتحدثون ضمن مفاهيم دينيّة، فالإصرار على أن القدس عاصمة «للشعب اليهودي» لا عاصمة الدولة الإسرائيلية، وأنها، أي القدس، صخرة الوجود الإسرائيلي، ينفي العلمانية عن زعماء كثر من مثل باراك ونيتنياهو وشارون وغيرهم. وفي المقابل إنْ قال الفلسطينيّون بالطرح الديني اتّهموا بأنهم متزمتون دينياً وإرهابيون.
حتى الخدمة المدنية عندهم تقوم تحت المظلة العسكرية، لذلك سمّوها «خدمة قوميّة». ففي حالة وقوع حروب فإن حكومة إسرائيل ترسل أفرادها الذين يعملون في المصانع والمزارع والدوائر الحكومية والمستشفيات والشركات إلى هذه الحرب، وتطلب من بعض العرب أن يخدموا مكانهم، وغير ذلك فإنك كعربي تفقد حقّك في المواطنة وتخسر جميع حقوقك المدنيّة.
إنّ الدعوة إلى إقامة الدولة اليهودية مشروع إستراتيجي إسرائيلي أصبح في مراحله المتقدمة، وهو مشروع خطير يجب أن لا تُشغلنا عنه كل الفصول العربية من خريفها إلى صيفها مروراً بربيعها
الراي.