حظي حديث الامير حسن إلى التلفزيون الاردني بمشاهدة غير مسبوقة من قبل الاردنيين الذين انتظروا ” شيئا ما” سيقوله الامير كمرجعية جرى الاعتراف الرسمي بها, بعد 13 عاما من الغياب. وبالنظر إلى ما كان الامير قد أطلقه سابقا, في منابر عربية أو خاصة, من مواقف تقترب من توجهات الرأي العام, فقد غلُب الظن أن ظهوره على التلفزيون الرسمي, سيكون إشارة إلى التأكيد على جدية النهج الاصلاحي ومحاولة وصل ما انقطع من حبل الثقة العامة.
للأمير حسن أسلوب معروف في تزاحم الافكار والتعبير عنها بجمل سريعة متداخلة بين سياق وآخر. وهو أسلوب لا يصلح لمخاطبة جمهور كبير في لحظة أزمة سياسية. وربما كان ذلك الاسلوب مسؤولا عن تحوّل الحديث إلى مقاطع يعبر بعضها عن أفكار غامضة وبعضها عن مواقف أغضبت الجمهور كما لاحظ مراقبو المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
الغياب الطويل للأمير عن الشأن السياسي المحلي, لم يعطه الفرصة للإحاطة بنظرة الاردنيين المكتظة بالاعتزاز والاحترام للحراك الشعبي. ولذلك, فإن استصغار الامير لذلك الحراك, وحديثه عن 20-30 معارضا متحركا اصطدم بتلك النظرة, كما اصطدم بالوقائع على الارض. فللحراك الاردني جمهور متحرك بعشرات الالاف, وجمهور مساند بالملايين. واستصغار ال 20 – 30 معارضا لا يستقيم مع قدرتهم على حشد ما لا يقل عن عشرة الاف معتصم على دوّار المعلمين يوم الثلاثاء الماضي.
وكان الاردنيون يتطلعون إلى أن يعالج الامير ما هو أهمّ, أي قضايا الحراك الكبرى, وهي استئصال نهج الفساد والخصخصة المشبوهة وهدر المال العام, والحكم الدستوري, والعدالة الاجتماعية وتنمية المحافظات, والحفاظ على الكيان الاردني إزاء مؤامرة الوطن البديل. ولكنهم فوجئوا بأن الامير يدعوهم إلى العودة إلى الامتثالية السياسية وانتظار المكارم.
لستُ متيقنا مما إذا كان الامير قصد بعبارة ” بنخّلهم” قدرته الفكرية على تفنيد آراء المعارضة, أم ما فهمه الناس من تهديد. لكن العبارة انتشرت بالمعنى الثاني واستنفرت ردود أفعال سلبية.
لكن ربما يكون المقطع المتعلق بمفاخرة الاباء, هو أكثر ما أغضب الاردنيين. ويبدو أن الامير لم يتابع الصعود غير المسبوق للوطنية الاردنية في السنتين الاخيرتين. لقد غدا القسم الاساسي من الاردنيين, خصوصا الشباب, حساسين لأيّ مساس من أي نوع بما هو أردني. وقد بدأوا بالنظر إلى تاريخهم الخاص, البعيد والقريب, باعتزاز شديد يستجيب لاحتياجاتهم الملموسة, السياسية والاجتماعية. فالفخر الوطني الغيور هو ملجأ للذات الجماعية وسلاح ماض لها في مواجهة الاخطار الجيوسياسية, كما يشكّل تعويضا عن الفقر والتهميش, وأملا بالخلاص منهما من خلال توظيف الصعود الوطني في إعادة صياغة الدولة لمصلحة الاغلبية. ولعلّ الامير معذور في أنه – بالنظر إلى غيابه الطويل – لم ير هذا التطوّر. وهو ما ينطبق على غائب – عائد آخر هو رئيس الوزراء عون الخصاونة. فكلاهما جاء من مرحلة كانت الوطنية مجرد جزء من ايديولوجية النظام, بينما هي اليوم أيديولوجية مستقلة وصاعدة وتشكّل المحتوى الاساسي للحراك الاردني.
العرب اليوم