حين كنا نتحاور مع قادة حماس، في الندوات أو على شاشات التلفزيون، كانوا يتفجرون غضبا واحتجاجا كلما قلنا «حماس الداخل وحماس الخارج».
كانوا يعتبرون مجرد الإشارة إلى أي خلاف داخلي بينهم حول أي أمر بمثابة اصطياد فتحاوي في المياه الحمساوية، أو محاولة من فتح لخلع تقاليدها، وهي المختلفة دائما، على حركة حماس التي ثبّتت نفسها في الذاكرة الفلسطينية كوحدة واحدة لا تعرف الاختلاف.
غير أن ما يجري هذه الأيام يبرهن أن حركة حماس تخوض صراعا داخليا حادا، وأن ما يصدر عن قادتها والناطقين باسمها من تصريحات تجاوز حدود الاختلاف الاجتهادي في الرأي ليصل الى حد الاتهام بالجنوح المقصود عن فكر الحركة واستراتيجيتها، وأن هنالك تفردا في اتخاذ القرارات الهامة دون الرجوع إلى الإطارات الشرعية، أما الشخص الذي تنكسر على رأسه النصال فوق النصال، فهو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي، الذي تعب كثيرا للدخول في نادي الزعماء البراغماتيين، ممن يؤهلون أنفسهم وحركاتهم لاعتراف دولي يتماهى مع التقدم الكاسح للإسلام السياسي في مصر وتونس.. وربما ليبيا وغيرها.
كانت الخلافات قد ظهرت بصورة جلية حين أفصح خالد مشعل عن أنه لن يجدد ولايته لرئاسة المكتب السياسي، فانقسم المنظرون الحمساويون إلى قسمين في أمر التعاطي مع هذا الإفصاح؛ فكارهو مشعل تسرعوا في الاحتفاء بهذه المبادرة وأشادوا بها كدليل على زهد الرجل في المواقع، وإفساحه المجال لغيره كي يتبوأ سدة القيادة، أما محبوه فقد توسلوا إليه بأن لا يغادر، وأفرطوا في الثناء على حكمته وحنكته. وفي حالتي الكارهين والمحبين فقد اتبعت حماس ذات «الفلكلور» المتبع في أحزاب ومؤسسات العالم الثالث حين يحتاج قائد ما إلى اختبار معزّته عند مفقوديه.
نجح الشيوخ في تطويق الخلافات الحادة والتقليل من إيقاعها، إلا أن ذلك لم يفلح في إلغاء حقيقة أن النار ظلت كامنة تحت الرماد وأنها تنتظر نفخة واحدة حتى تظهر على السطح وتزداد توهجا واشتعالا.
ولقد حدث ذلك أخيرا بفعل مبرر قوي استخدمه خصوم مشعل بقوة وفاعلية؛ وهو موافقة مشعل على إعلان الدوحة، وأخطر ما فيه، من وجهة نظر منتقديه الحمساويين، أن مشعل سلم أمر الحكومة الانتقالية لمحمود عباس، وتمت ترجمة ذلك على أنه تفريط في موقع ترى حماس نفسها الأجدر والأحق به، وأن هذا التسليم جاء بمبادرة ذاتية من قبل مشعل الذي لم يكلف نفسه عناء أخذ رأي الإطارات القيادية.
ودخل إعلان الدوحة جراء ذلك إلى سوق مزايدة ومناقصة وتفسيرات وتحذيرات إلى أن بلغ الأمر اليوم حد التهديد الجدي للمصالحة التي كانت جهودها منذ البداية، وعبر كل المراحل والمحطات، تصل إلى نتائج هشة، سرعان ما تتبدد مع أول محاولة لتطبيقها على الأرض.
والآن تتعثر المصالحة من جديد، وهذه المرة لم تعد فتح هي المتهم الجاهز على الدوام لتعليق التعثر على شماعتها، فلقد ظهر المعوق الأكثر جدية والأكثر فاعلية وهو الاختلاف الداخلي في حماس، إذ من دون حسم هذا الخلاف، فعلا لا قولا، فلا أمل بمصالحة ولا مجال لانتخابات إن لم نقل إن التطورات ستحمل ما هو أخطر وأفدح.
ومثلما كان الانشقاق أصلا أحد المعوقات الجوهرية لترتيب البيت الفلسطيني الأوسع في أحلك الأوقات وأصعب الظروف، فإن اختلاف حماس في ما بينها واتخاذ إعلان الدوحة عنوانا لهذا الاختلاف سيؤدي، حال تماديه، إلى فتح الأبواب واسعة أمام استقطاب ومحاور صراع جديد داخل الحركة التي سوقت نفسها على أنها الأكثر انسجاما وتماسكا وانضباطا، فإلى جانب حكاية داخل وخارج.. ومرن ومتشدد.. ومع الدوحة وضدها.. فلا مناص من دخول سوريا وإيران على الخط، وما أسهل ذلك وما أشد فاعليته، ولقد بدأ هذا البعد في الخلاف بالظهور، وعلى نحو جلي من خلال ما حدث خلال زيارة هنية لطهران وما سمع من مرشد الثورة الإيرانية خامنئي من نصائح، تبدو الصورة مباشرة، ولو بلغة غير مباشرة، بمثابة تحريض على نزعة الاعتدال المتنامية داخل حركة حماس، ودعوة لهذه الحركة كي لا تصل إلى نقطة وسط مع فتح، ناهيك عن الرغبة الجامحة لدى مرشد الثورة الإيرانية برؤية حركة حماس حليفا فعالا لسوريا وحزب الله، بل ومقاتلا نشطا في «معسكر الممانعة» المتدهور.
إن اختلاف حماس في ما بينها لن يكون أبدا في مصلحة فتح، ولا في مصلحة منظمة التحرير ونهج الاعتدال الذي تسير عليه، بل إن في محصلته الأولية، وحتى من خلال تداعياته المستقبلية، قد يفقد الشعب الفلسطيني، ولو إلى أجل غير مسمى، أهم ما يصبو إليه في هذه المرحلة؛ وهو استعادة الوحدة وتكريس المصالحة وتوحيد الجهود الوطنية لاجتياز هذه المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتأكيد حين نتحدث عن استنتاج كهذا فلا نغفل عامل الوقت؛ إذ ليس بوسع الوضع الفلسطيني الصعب، الانتظار مدة طويلة لرؤية خلاصات الخلاف الداخلي في حماس بعد أن انتظر طويلا رؤية خلاصات الخلاف حول المصالحة أصلا.
كانوا يعتبرون مجرد الإشارة إلى أي خلاف داخلي بينهم حول أي أمر بمثابة اصطياد فتحاوي في المياه الحمساوية، أو محاولة من فتح لخلع تقاليدها، وهي المختلفة دائما، على حركة حماس التي ثبّتت نفسها في الذاكرة الفلسطينية كوحدة واحدة لا تعرف الاختلاف.
غير أن ما يجري هذه الأيام يبرهن أن حركة حماس تخوض صراعا داخليا حادا، وأن ما يصدر عن قادتها والناطقين باسمها من تصريحات تجاوز حدود الاختلاف الاجتهادي في الرأي ليصل الى حد الاتهام بالجنوح المقصود عن فكر الحركة واستراتيجيتها، وأن هنالك تفردا في اتخاذ القرارات الهامة دون الرجوع إلى الإطارات الشرعية، أما الشخص الذي تنكسر على رأسه النصال فوق النصال، فهو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي، الذي تعب كثيرا للدخول في نادي الزعماء البراغماتيين، ممن يؤهلون أنفسهم وحركاتهم لاعتراف دولي يتماهى مع التقدم الكاسح للإسلام السياسي في مصر وتونس.. وربما ليبيا وغيرها.
كانت الخلافات قد ظهرت بصورة جلية حين أفصح خالد مشعل عن أنه لن يجدد ولايته لرئاسة المكتب السياسي، فانقسم المنظرون الحمساويون إلى قسمين في أمر التعاطي مع هذا الإفصاح؛ فكارهو مشعل تسرعوا في الاحتفاء بهذه المبادرة وأشادوا بها كدليل على زهد الرجل في المواقع، وإفساحه المجال لغيره كي يتبوأ سدة القيادة، أما محبوه فقد توسلوا إليه بأن لا يغادر، وأفرطوا في الثناء على حكمته وحنكته. وفي حالتي الكارهين والمحبين فقد اتبعت حماس ذات «الفلكلور» المتبع في أحزاب ومؤسسات العالم الثالث حين يحتاج قائد ما إلى اختبار معزّته عند مفقوديه.
نجح الشيوخ في تطويق الخلافات الحادة والتقليل من إيقاعها، إلا أن ذلك لم يفلح في إلغاء حقيقة أن النار ظلت كامنة تحت الرماد وأنها تنتظر نفخة واحدة حتى تظهر على السطح وتزداد توهجا واشتعالا.
ولقد حدث ذلك أخيرا بفعل مبرر قوي استخدمه خصوم مشعل بقوة وفاعلية؛ وهو موافقة مشعل على إعلان الدوحة، وأخطر ما فيه، من وجهة نظر منتقديه الحمساويين، أن مشعل سلم أمر الحكومة الانتقالية لمحمود عباس، وتمت ترجمة ذلك على أنه تفريط في موقع ترى حماس نفسها الأجدر والأحق به، وأن هذا التسليم جاء بمبادرة ذاتية من قبل مشعل الذي لم يكلف نفسه عناء أخذ رأي الإطارات القيادية.
ودخل إعلان الدوحة جراء ذلك إلى سوق مزايدة ومناقصة وتفسيرات وتحذيرات إلى أن بلغ الأمر اليوم حد التهديد الجدي للمصالحة التي كانت جهودها منذ البداية، وعبر كل المراحل والمحطات، تصل إلى نتائج هشة، سرعان ما تتبدد مع أول محاولة لتطبيقها على الأرض.
والآن تتعثر المصالحة من جديد، وهذه المرة لم تعد فتح هي المتهم الجاهز على الدوام لتعليق التعثر على شماعتها، فلقد ظهر المعوق الأكثر جدية والأكثر فاعلية وهو الاختلاف الداخلي في حماس، إذ من دون حسم هذا الخلاف، فعلا لا قولا، فلا أمل بمصالحة ولا مجال لانتخابات إن لم نقل إن التطورات ستحمل ما هو أخطر وأفدح.
ومثلما كان الانشقاق أصلا أحد المعوقات الجوهرية لترتيب البيت الفلسطيني الأوسع في أحلك الأوقات وأصعب الظروف، فإن اختلاف حماس في ما بينها واتخاذ إعلان الدوحة عنوانا لهذا الاختلاف سيؤدي، حال تماديه، إلى فتح الأبواب واسعة أمام استقطاب ومحاور صراع جديد داخل الحركة التي سوقت نفسها على أنها الأكثر انسجاما وتماسكا وانضباطا، فإلى جانب حكاية داخل وخارج.. ومرن ومتشدد.. ومع الدوحة وضدها.. فلا مناص من دخول سوريا وإيران على الخط، وما أسهل ذلك وما أشد فاعليته، ولقد بدأ هذا البعد في الخلاف بالظهور، وعلى نحو جلي من خلال ما حدث خلال زيارة هنية لطهران وما سمع من مرشد الثورة الإيرانية خامنئي من نصائح، تبدو الصورة مباشرة، ولو بلغة غير مباشرة، بمثابة تحريض على نزعة الاعتدال المتنامية داخل حركة حماس، ودعوة لهذه الحركة كي لا تصل إلى نقطة وسط مع فتح، ناهيك عن الرغبة الجامحة لدى مرشد الثورة الإيرانية برؤية حركة حماس حليفا فعالا لسوريا وحزب الله، بل ومقاتلا نشطا في «معسكر الممانعة» المتدهور.
إن اختلاف حماس في ما بينها لن يكون أبدا في مصلحة فتح، ولا في مصلحة منظمة التحرير ونهج الاعتدال الذي تسير عليه، بل إن في محصلته الأولية، وحتى من خلال تداعياته المستقبلية، قد يفقد الشعب الفلسطيني، ولو إلى أجل غير مسمى، أهم ما يصبو إليه في هذه المرحلة؛ وهو استعادة الوحدة وتكريس المصالحة وتوحيد الجهود الوطنية لاجتياز هذه المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتأكيد حين نتحدث عن استنتاج كهذا فلا نغفل عامل الوقت؛ إذ ليس بوسع الوضع الفلسطيني الصعب، الانتظار مدة طويلة لرؤية خلاصات الخلاف الداخلي في حماس بعد أن انتظر طويلا رؤية خلاصات الخلاف حول المصالحة أصلا.