أحسه يقف أمامي، بسمرته، بطيات جبهته،ببريق عينيه، بعمره التسعين..يقف، خائفاً، تائهاً، وحيداً، حزيناً،مصدوماً، مكلوماً،مسروقاً..لكنّه يقف بنبل الآباء، يبتلع غصّاته بصلابة مصطنعة،محاولاً ألاّ يُنزل دمعةَ أمام أولاده، أو يحني ظهره أمام جلاده…
أراه أباً لا وطناً.. وأحس ما يحسّ به؛ فعندما كان يبللني الضعف، و تنفر قشعريرة هزيمتي فوق وقتي،وتحوم الخطوب حولي كالذئاب، وأشعر كم أنا لست أنا، كنت أقترب من أطفالي النيام، أضع جسدي المنكمش بينهم…أضم أيديهم الصغيرة الى صدري وأتدفأ بأنفاسهم،الرسوم الطفولية المنقوشة على أغطيتهم كانت حراسي ..الضوء الخافت على جباههم كان شمسي، و جفونهم الناعمة أكثر أماناً من أبوابي المغلقة،وملامحهم المسالمة أكثر صلابة من قلبي المرتجف..كنت أغسل جسدي الخائف بطمأنينتهم، فقط لأعيش…
كل ليله، أرى «الأردن» أباً مُتعباً..يرفع الغطاء عني ويتكّور قربي كما كنت أفعل مع أطفالي..أحسّ أنه يحتاجنا، يريد أن يقوى بنا، أن نكون قربه، يريد ان يشتم أنفاسنا، ان يستأنس بخفقان قلوبنا،أن يرى شمسه من جبهاتنا، ان يكون معنا ونكون معه، يريد أن يطمئن انه ليس وحيداً في وجعه وضعفه، يريد أن يغتسل بطمأنينتنا فقط ليعيش..
كل ليلة، أحسّ بغصة «وطني»، بتعرق المسافة على جسده، بلونه المخطوف،وزفيره الأبوي المتقطع، وصوته المشوك المخنوق..أحسّه كاظماً شكواه في بحر سرّه: مديناً، حزيناً، وحيداً،مسروقاً .. متهماً بالبخل، ومكافأ بالعقوق!!
ما زال «الأردن»يقف متقاوياً على جرحه، وكدحه، «بنبل» الآباء وفروسيتهم، يبتلع غصّاته بصلابة مصطنعة…فأرجوكم لا ترموه تحت أقدام دائنيه!!!.. أرجوكم لا تسقطوا «عقاله»…
أرجوكم أرحموا «أبوي» قليلاً..
ارحموا «الأردن
احمد حسن الزعبي، – الراي».