مرة أخرى نقدم الدليل على سوء إدارتنا للأزمات؛ فمنذ اليوم الأول لإضراب المعلمين، اتخذت الحكومة موقفا متعنتا، ورفضت تقديم أي تنازل رغم استعداد ممثلي المعلمين لقبول حلول وسط.
لقد رمى النواب للحكومة طوق النجاة من الأزمة، بعد أن تمكنوا من الوصول إلى تفاهم مع المعلمين على جدول زمني لصرف علاوة التعليم.
لكن الحكومة، وباستعلاء شديد، ألقت جانبا بالعرض. ولم يكتف رئيس الوزراء برفضه، بل قام بتأنيب النواب ولومهم على التدخل في الأزمة!
ربما تكون الاعتبارات التي تنطلق منها الحكومة لعدم الاستجابة لمطالب المعلمين صحيحة، نظرا للوضع الحرج للموازنة. لكن هذا ليس ذنب المعلمين الذين تعرضوا لظلم تاريخي، حان الوقت لرفعه.
وبوسع الحكومة أن تتدبر أمرها وبسهولة، إن هي امتلكت الشجاعة، بمراجعة بند واحد في الموازنة.
أوليست هي صاحبة الولاية؟!
مضى على إضراب المعلمين أكثر من أسبوع، ولا تلوح في الأفق بوادر حل.
وقد ساهمت تصريحات رئيس الوزراء خلال جلسة النواب في تأجيج الموقف، ودفعت بأفواج جديدة من المعلمين والمعلمات إلى الانضمام إلى الإضراب الذي بلغ ذروته باعتصام حاشد أمام رئاسة الوزراء أمس، انضمت إليه فعاليات شعبية وحزبية عديدة استفزها موقف الحكومة المتشدد من المعلمين.
تنطوي سياسة الحكومة في إدارة الأزمة على سوء مفرط في تقدير الموقف.
المعلمون اليوم ليسوا مجرد شتات لا حول ولا قوة لهم؛ إنهم قوة منظمة تضم في صفوفها أكثر من مئة ألف مواطن، صار لهم إطار نقابي يجمعهم على أهداف واحدة ومطالب مشتركة. ومهما حاولت السلطات كسر إرادتهم ووحدتهم، فإنها ستخفق حتما.
الوسيلة الوحيدة لتجنب التصعيد وتعطيل العملية التعليمية هي الحوار والالتقاء معهم في منتصف الطريق بدل هذا الأسلوب الاستعلائي في التعامل، والإصرار على إذلالهم.
ينبغي التسليم بهذه الحقيقة، سواء تعلق الأمر بالمعلمين أو غيرهم من الفئات الاجتماعية، فقد تغير المجتمع الأردني بشكل كلي، حيث يتجه أفراده إلى تنظيم أنفسهم في أطر نقابية ومدنية.
وعبر هذه الأطر، يكتشف الناس قوتهم الكامنة التي يصعب التغلب عليها بالأساليب القديمة المتبعة في تفكيك الجماعات المنظمة.
إن مسؤولية الحكومات من الآن وصاعدا، هي تطوير سياساتها وبرامجها وموازناتها للتكيف مع مطالب واحتياجات القوى الاجتماعية المنظمة، وتأهيل طواقمها على فن إدارة الحوار مع قوى اجتماعية نهضت للدفاع عن حقوقها ومصالحها بعد سبات طويل.
صحة تقدير الموقف هي الشرط الأول للنجاح في إدارة الأزمات وتجاوزها.المناخ السياسي في البلاد لا يسمح بالتصعيد؛ فكل أزمة، مهما كانت طبيعتها، مرشحة لأن تتحول إلى أزمة سياسية تفوق كلفتها بأضعاف قيمة العلاوة التي يطالب بها المعلمون.
تجاوز الأزمة ما يزال ممكنا، ويد المعلمين ممدودة للحل رغم التصعيد الحاصل. يكفي أن تعلن الحكومة قبولها باقتراح النواب ليعود المعلمون إلى صفوفهم
الغد