يبدو ان رسالة محاكمة الفاسدين لم تصل لبعض المسؤولين في بلادنا، فما زال هؤلاء يعتقدون بأنهم “آخر” من تطالهم عصا القانون، او انهم -بالأحرى- فوق القانون.
لا ادري، بالطبع، اذا كانت المشكلة في الرسالة ام في المستقبلين لها ام في “لواقط” الاستقبال التي يبدو انها تعطلت او اقفلت، لكن المهم ان ثمة من لا يريد ان يتعلم مما جرى او ان يتعظ به، وثمة من يتصور ان “الربيع” انتهى، بحراكاته واحتجاجاته وملفاته، وان بوسع “حليمة” ان تمارس عاداتها القديمة، كما يقول المثل، وبالتالي لن نفاجأ ابدا من خروج “رؤوس” الفساد مجددا الى السطح بعد ان كمنت قليلا، ولن نندهش من “انبعاث” فسائل جديدة للفساد، ما دام ان “التربة” لم تطهر بما يكفي، ولم تقلع منها الاشواك والأحساك؛ التي نمت وطالت سيقانها وفروعها بسبب “غفلتنا” عن رعايتها كما يجب.
لا يمكن، ابدا، اجتثاث الفساد من جذوره، هذا صحيح، لكن لا بد ان نحتاط دائما على “مقص” حاد لقطع “اعشابه” متى خرجت من الارض، ولا بد ان تكون “عيوننا” مفتوحة على حركاته وسكناته، تماما كما نفعل حين نتوجس من “اللصوص” الذين يمكن ان يداهموا بيوتنا في اي لحظة.
لن يقتنع المواطن الاردني الذي كشف “المستور” بأي مسوغات او ذرائع للتغطية على “ملفات” الفساد او إدراجها –كما كنا نفعل- في الأدراج او تقييد فضائحها ضد مجهول، لقد انتهى العصر الذي كان الناس يشعرون فيه بأنهم “يتامى” لا صوت لهم ولا ارادة، وبأن كلمة المسؤول لا ترد، وبأن “الوطنية” مجرد منصب وتصريح ساخن لا معنى له، وانجازات جاهزة لغايات التزيين، انتهى هذا العصر، واصبح للناس عيونٌ مفتوحة ترى من خلالها كل شيء، وافواه فاغرة، تقول كل شيء، وروحٌ حيّة لا يمكن اسكاتها او اعادتها الى “غيبوبتها” الاولى.
نفهم ان “تكتظ” غرف التحقيق سواء لدى النواب او لدى الهيئة او لدى المحاكم بمئات الملفات الكبرى التي تتعلق “بقضايا” الفساد، ونفهم ان التحقيق فيها يحتاج الى وقت، وان “ترتيبها” امام نظر العدالة يجري وفق اعتبارات معينة، او تبعا لايقاع الشارع.
ونفهم اخيرا بان هذه الملفات تعود لسنوات مضت او “لحقبة” جرى فيها زواج غير مشروع بين السلطة والبزنس، او بين غسل الأموال وغسل الأصوات، لكن ما لا نفهمه الا يتعلم البعض مما جرى وان يستمر “المسلسل” بحلقاته وفصوله وكأن شيئا لم يتغير.
في اخبار امس، ذكرت بعض المصادر ان “32” وزيرا ونائبا وعينا لم يقدموا كشوف “اشهار” ذممهم المالية التي يفترض ان يقدموها التزاما بالقانون – بالرغم من توجيه انذارات عدلية لبعضهم- الا انهم ما زالوا مصرين على عدم امتثالهم لأوامر العدالة، كما ذكرت مصادر اخرى بان اربعة من النواب الحاليين تدور حولهم شبهات “ازدواجية الجنسية” بمعنى انهم ما زالوا يتمتعون بجنسية اجنبية رغم ان التعديل الدستوري الاخير يلزمهم بتوفيق اوضاعهم، إما بالتنازل عن الجنسية الاجنبية او الاستقالة من المجلس.
اذا اضفنا لذلك اخبارا اخرى يومية عن حالات فساد في بعض مؤسساتنا وعن تجاوزات لبعض المسؤولين وعن “تسكين” مشبوه لاخطاء ارتكبت باسم “الفساد” وعن “مدافعات” غريبة تسير في تجاه “تبرئة” بعض المحالين للمحاكمة بقضايا فساد وعن “صراع” مثير بين “بؤر” الفساد واتباع ومريدي “ابطاله”.. فاننا سندرك عل الفور مدى “القوة” التي تمتع بها طبقة الفساد، ومدى التغلغل الذي فعله هؤلاء داخل مجتمعنا والأخطر من ذلك هذه “الاستمرارية” التي يمارسها البعض في ظل مرحلة اتسمت “باعلان” الحرب على الفساد.
آسف اذا قلت بان الفساد لدينا اصبح اكثر وقاحة مما نتصور.. وبأننا لم نستطع –بعد- ان نكسر “عينه” كما يجب.