أثار خبر, نُشِر وانتشر, قبل مدة, حول قرار فلسطيني, باستثناء الأردن من “دائرة دول الشتات” في المجلس التشريعي لغطاً كثيراً, وردود فعل قوية, لمدى تأثير القرار, لو كان صحيحاً, على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
في الواقع القرار لم يستثن اعتبار الأردن من دول الشتات الفلسطيني, لكنه استثنى الأردن من بين دول الشتات التي ستجرى بها انتخابات, والاستعاضة عن ذلك باختيار أعضاء في المجلس الوطني من فلسطينيي الأردن “بالتوافق” كما كان متبعاً دائماً منذ تأسيس الهيئة التشريعية الفلسطينية الأعلى عام1964.
هذا الاستثناء الذي تم بموافقة جميع الأطراف من حكومة أردنية وتنظيمات فلسطينية هو بمثابة اعتراف ضمني بحساسية العلاقة التاريخية الأردنية الفلسطينية, لما فيها من تداخل, وطبيعة جدل الهوية الدائر على الساحة الأردنية.
قد لا يرى البعض الفرق بين القرارين, لكن هناك فرق سياسي كبير, فلو كانت التنظيمات الفلسطينية قد استثنت تصنيف الأردن من دول الشتات, عدا عن كون مثل ذلك التفكير ضرباً من الجنون, فأن في ذلك خطرا يؤدي إلى تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وهو تفريط لا تستطيع أن تتحمله أي جهة فلسطينية أو أردنية.
قانونيا لا يؤثر حتى مثل هكذا قرار, حتى في حال اتخاذه, على استحقاق حق العودة للفلسطينيين, لا كأفراد ولا كجماعات, لكن ردود الفعل القوية في الأردن, كان خوفاً من مغزاه السياسي, بأن “استثناء الأردن من دول الشتات”, قد يكون مقدمة سياسية لتسوية سياسية تستثني فلسطينيي الأردن من حق العودة وما يتبعه من تثبيت مخاوف إقامة “وطن بديل للفلسطينيين ” في الأردن, وتأثير ذلك على التوتر الناتج عن جدل الهوية في البلاد.
انتشار الخبر غير الدقيق, في قسم منه, كان نتيجة سوء فهم يتحمل مسؤوليته الأولى مكتب المجلس الوطني الفلسطيني في عمان, والذي لم يبادر بنشر تصحيح للمعلومات, وان كان متجاوبا مع تساؤلات أي كاتب كلف نفسه بالسؤال, وانا لم أكتب, حتى تحدثت مع أحد كاتبي صيغة القرارات, وبعدما حصلت على نسخة من المقاطع المعنية في قانون الانتخاب المقترح.
الشق الصحيح في الخبر المنشور, كان في قرار عدم إجراء انتخابات في الأردن واستمرار اختيار أعضاء المجلس بالتوافق, وهو محور جدل في بعض الأوساط لما قد يتضمنه ذلك انتقاصاً من ديمقراطية التمثيل, لكن إجراء مثل تلك الانتخابات في الأردن تحتاج إلى حل لكثير من الإشكاليات لمعالجة المخاوف القائمة مما يوصف “بازدواجية التمثيل والولاء” ومن الجدل الدائر في الوقت الحالي حول “تعريف الأردني”بالطبع يجب أن تكون الصيغة التوافقية المعمول بها تراعي ادنى الشروط لديمقراطية التمثيل.
البعض دعا إلى انتخابات فلسطينية في الأردن, كوسيلة لحل جدل الهوية من خلال “دسترة فك الارتباط”, أي من خلال سحب الجنسية من كل المواطنين من أصل فلسطيني, الذين تجنسوا بعد فك الارتباط, لكن حتى لو سلمنا بذلك فهل يعني أن الأردنيين من أصول فلسطينية لا يحق لهم التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني, الذي بصفته أعلى سلطة مرجعية تختص بحقوق الفلسطينيين,, يستطيع قبول أو رفض أي اتفاق مشروع يعرض لحل الصراع الفلسطيني العربي مع إسرائيل?
أسئلة كثيرة, تحتاج لحوار بعيد عن التعصب وال¯تأليب, فقرار القيادة الفلسطينية, بما في ذلك حماس, بإجراء انتخابات موسعة للمجلس الوطني الفلسطيني, ولأول مرة, هي في جانب رئيسي استجابة لضغوط شعبية فلسطينية في الداخل والخارج, تدعو إلى إعادة بناء وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية, بناء على توسيع المشاركة الديمقراطية للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
أي أن قرار إجراء الانتخابات ليس له علاقة بوضع الفلسطينيين في الأردن بل باستحقاق استراتيجي فلسطيني لحل أزمة الشرعية الفلسطينية التي تآكلت, نتيجة اتفاقات أوسلو, وما بعدها من تفاهمات, وما نتج عنها من إضعاف وتهميش لمنظمة التحرير الفلسطينية, كما أنه استحقاق للوحدة الفلسطينية وما تتطلبه من انضمام كل من حماس وحركة الجهاد الإسلامي, إلى هذه المؤسسات, ومن ضرورة تمثيل أجيال فلسطينية جديدة, الناشطة خارج إطار التنظيمات في القرار الوطني الفلسطيني-بالإضافة على أن توسيع المشاركة التمثيلية الفلسطينية يعتبر ضمانة لعدم إقدام أي قيادة فلسطينية كانت بالتفريط الجزئي أو الكلي بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في فلسطين.
فالانتخابات المحدودة في إطار منظمة التحرير والمنظمات الشعبية, اضافة إلى اختيار شخصيات لها مكانتها النضالية, أو الاجتماعية أو الأكاديمية, لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني, كما كان متبعاً, لم يعد كافيا, خاصة في ضوء ما تتعرض له القضية الفلسطينية من محاولات سياسية, وعلى الأرض في الداخل الفلسطيني لتصفيتها.
أن أي نقاش حول أسلوب اختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني, يجب أن لا يتحول إلى مسألة جديدة لتأزيم العلاقة بين مكوني الشعب الأردني, بل يجب الحفاظ على رؤيتها كخطوة ضرورية لتدعيم مواجهة المخططات الإسرائيلية ضد الأردنيين والفلسطينيين معاً وليس كلا على حدة.