أعجبني كلام رئيس الوزراء عون الخصاونة في حواره مع برنامج “ستون دقيقة” والذي نشرت نصه “الغد”، فالأفكار التي طرحها كانت واقعية وصريحة وجريئة، وإذا كانت هذه خريطة الطريق التي يعد بها، واذا طابق كلامه أفعاله، فإنني أشعر بحالة من التفاؤل النسبي.
يجاهر الخصاونة بأن الولاية العامة للحكومة كانت في السنوات الماضية مختطفة، أو تتنازعها أطراف أخرى مثل المخابرات والديوان الملكي، وهو نفس التشخيص عند كل المثقفين والمتابعين للعمل العام في الأردن، وهو يريد استعادة الولاية العامة خطوة خطوة، ولا يعتقد أن هناك صراعا بين الحكومة وهذه الأجهزة، وفي هذه النقطة نخالفه الرأي ونرى أن الأجندة الحكومية لا تتقاطع مع الأمنية وبالعكس، يصل الأمر حد التعارض، ويكفي لتأكيد هذا الأمر أن نراجع ما حدث في قضية استعادة جمعية المركز الإسلامي والعلاقة مع حماس وما حدث في المفرق!
ويمضي الرئيس الخصاونة في رسم تصوراته للمرحلة المقبلة، فيؤكد أن الحكومة لا تتلكأ في المضي لإجراء انتخابات برلمانية ولا توجد لديها النية في تأخيرالانتخابات.
ويربط إنجاز ذلك بتأسيس الهيئة المستقلة للانتخابات وبقانون الانتخاب، ويعتقد أن نزاهة الانتخابات لا تتحقق الا بالهيئة المستقلة ولا يحسم الجدل حول شكل النظام الانتخابي وإن كان يلمح الى العودة لقانون 89 للانتخابات.
نتفق مع الخصاونة بأننا نريد انتخابات نزيهة والهيئة المستقلة من متطلباتها الأساسية ومعاييرها، والمشكلة أننا لا نملك ترف الوقت للتنظير فقط، وضغط الشارع يفرض على الحكومة أن تكون آلياتها في مسار الإصلاح أسرع، واليقين عند البعض أن الرئيس والبرلمان لا يريدان انتخابات برلمانية مبكرة، وأن الصراع القادم على قانون ونظام الانتخاب سيعمق الأزمة، خاصة بعد أن وضع الخصاونة مخرجات لجنة الحوار الوطني فيما يتعلق بنظام الانتخابات في “الثلاجة” حتى لا نقول في سلة المهملات.
قانون الانتخاب ونظامه يحددان مستقبل اللعبة السياسية، ولا نريد أن يظل هذا الأمر مرهونا بتجاذب الحكومة والبرلمان والأمن وصفقاتهم معا، بل نريد أن يكون معبرا عن تفاهمات شعبية، ولا أعلم إن كان الاستفتاء طريقا ممكنا لذلك، أو العمل على إخراجه بطريقة مماثلة للميثاق الوطني.
أكثر ما يلفت الانتباه في أجندة الرئيس هو تعامله الواضح مع قضية الفساد، فهو يرى الفساد مثل السرطان، ولكن معالجته لا تتم بتصفية الأشخاص على الطريقة “الستالينية”، وأن مكافحة الفساد لا تعني التشهير بالناس، وأن للفاسدين الحق في محاكمة عادلة، وأن فتح ملفات الفساد لا يعني هروب الاستثمار.
بالتأكيد أن خلفية الخصاونة القضائية والحقوقية تدفع لهذه المعالجة الحاسمة والهادئة، وهذا الملف تحديدا من ملفات الإصلاح الذي تتحرك به الحكومة وتنجز، وبعد سقوط مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي وإحالته الى القضاء، لا أعتقد أن هناك حصانة لأحد، وكل الاشاعات عن تعليمات من فوق يجب أن تنتهي.
وفي ملف الفساد نريد للقضاء المدني أن يكون صاحب الولاية ولا أحد غيره، ونريد أن يمكّن المتهمون من الدفاع عن أنفسهم وأن تطبق كل معايير وضمانات المحاكمات العادلة.
محاربة الفساد لا تحدث بنصب المشانق وإدانة الناس سندا للاشاعات والأقاويل، بل بالعدالة وسيادة القانون وتطبيقه حتى لو تطلب الأمر وقتا أطول. لا يخضع القضاء في محاكمة المتهمين لصوت الشارع وأجندته، وانما الى معايير العدالة ولا يجوز أن نقبل أو نفكر بالتضحية باستقلالية القضاء لتنفيذ أجندة سياسية، وكلام بعض المنظرين عن محاكمات سياسية لا جنائية يصنع الفوضى ويضعف دولة القانون.
مشكلة الخصاونة الأولى أن الأردنيين ما عادوا يثقون بكلام الحكومة ولا أفعالها، والثانية أنه حتى يستعيد ولايته العامة خطوة خطوة ربما تحدث الكثير من الممارسات التي قد تطيح به حتى إن كان غير راض عنها، والثالثة أن الدولة بكل مكوناتها لم تبلور مسارا موحدا للإصلاح، فان كان يعارض “شيطنة” الحركة الإسلامية فإن هناك من يفعل، وعلى ذلك فإن الكل يغني على ليلاه، وهو ما يدفعنا للخوف وأن نضع أيدينا على قلوبنا حتى وإن كان كلام الرئيس منطقيا
الغد