الإصلاح نيوز- كتب: حسين بني هاني/
جلس في قاعة المحكمة، والخوف بعينيه، يتأمل قسمات وجه القاضي، وهو يقلب صفحات ملفه، وأخذ يحدث نفسه ويقول: السجن علي هو المكتوب يا ولدي، وأنا أستحقه، فقد تعلمت الحجامة على رؤوس اليتامى، وكنت أحب همزة الوصل مع بطانة السوء، وكانوا جميعاً أقرب اليّ من حبل الوريد، وكنت أقطع دابر المسؤولين الذين كانوا يعرفون ما توسوس به لي نفسي.
ومضى يردد بصمت ويقول: كل الناس يا بني كانوا يشربون من عذب الفرات، وأنا كنت أغسل بملح أجاج، و جعلت التضحية من أجل الوطن، بضاعة رخيصة، تصلح لمزايدة هنا أو مناقصة هناك، بين أيدي المتاجرين وعرابي الصفقات في زمن المحن والحروب.
وكنت حين أريد أن أبيض صفحة أحدهم، أفرط له بالتكريم، حتى ينصاع لأمري، وانشأت، بينهم مناطق رخوة بسهل اختراقها، وأخرى هشة يسهل تفتيتها، وبنيت من خلفهم سداً ومن أمامهم سداً ونشرت العداوة والبغضاء بينهم، وتركت الدهاء، لانه من شيم الرجال، واخترت الحنكة في الشر لأنه أقرب من كيد النساء، أزلني الشيطان لأنه كان يعرفني منذ الصغر قريباً من الجبناء ومحباً للغواية.
أغرق في التفكير، فناداه القاضي، وقال له ما اسمك؟ قال :، طاعن في الفساد، لم يغن عنه ماله، هلك عنه سلطانه، وكان يعتقد أن السرقه شطارة، خلعت صاحبي مبكراً، وخلعت على، نفسي ثوباً مستعاراً ممن كنت اظنهم بعض الرجال، وكنت أظن أن الجوع وحده هو الذي يعلم الرجل السرقة، والمرأة الزنا، فسلكت طريقاً ثالثاُ أعدت فيه الاضطهاد حتى يسهل عليّ الاجهاز على الوطن، وتعلمت أن حروف التاريخ، تبقى مزورة اذا لم يسعفها المال، وبصرف النظر عن مصدره.
أطرق مرة أخرى، وهو يسمع سؤال القاضي، بل ظل ذلك السؤال أمامه عارياً ،يشف عن كذب الاجابة، وتسمع فيه صرير اسنانه، وهو يعرف من كان القاتل ومن كان القتيل، وحاول الاجابة مرة اخرى مستحضراً هذه المرة كبرياء المكان، الذي حل فيه يوماً علّه يستجمع ما تبقى له من قوة في الهزيع الأخير من البراءة، ولكنه عاد غارقاً في عجزه، يستند على حافة ليل طويل بهيم، يعزي نفسه، بانتظار الفجر الذي لن يأتي له أبداً، يبكي بصوت مخنوق حظه العاثر، بعد أن تصالح يوماً مع الوهم، وأدار ظهره للوطن.
وبدا احساس الموت يتجول في خاطره، وأخذ خط الانكسار يلتف حول عنقه، بعد أن نخر المال الحرام عظامه، وقال: الآن عرفت أن الفساد ليس عرقاً ولا نسباً ، ولكنه نفس أمارة بالسوء.