من مصائب الأنظمة الثورية أن الحكم فيها يتولاه من لا خبرة أو معرفة له بالحكم. كان هذا من أسباب فشل النظام السوفياتي. فلينين وستالين وخروشوف، وكثيرون غيرهم، قضوا حياتهم في النضال والتشرد والعمل السري وحفظ النصوص الماركسية. لم يعمل أي منهم بوظيفة يتعلم منها فنون الحكم والإدارة، ولا درسوا هذه المواضيع في جامعة، وراحوا يتخبطون بالأخطاء. لقد أصبح الحكم والإدارة موضوعا معقدا جدا يتطلب معرفة وخبرة واسعة في السياسة والاقتصاد والعلوم وسياسات الدول والاقتصاد العالمي، لا سيما في عصر العولمة هذا. معظم زعماء الدول الغربية تحلوا بهذه المعرفة، وتدرجوا في تحمل مسؤوليات الدولة.
ما يحصل في الأنظمة الثورية هو أن قادة الثورة يقضون حياتهم في السجون والعمل السري، ولا يقومون بأي عمل أو وظيفة تعطيهم فكرة عملية عن إدارة الدولة. يعيشون غالبا عالة على أهلهم أو حزبهم. كثيرا ما تنحصر قراءاتهم في النصوص الثورية والمثاليات (والفقه والشريعة بالنسبة للإسلاميين). حالما تنتصر الثورة يعتبرون أنفسهم أهلا للحكم، ويعترف الشعب بحقهم فيه. يبادرون فورا بتطهير الحكومة من كل رجال العهد الماضي الذين اكتسبوا المعرفة والخبرة في الحكم. استمعت لمحاضر راح يندد بسياسة الحكومة العراقية.. قاطعه أحد المستمعين: «أعطهم الفرصة يا سيدي ليتعلموا». تمتم مستمع آخر: «يعني يتعلمون الحجامة في رؤوس اليتامى؟!».
معظم وزراء الحكومة التونسية الآن قضوا حياتهم في السجون. رئيسهم الجبالي قضى 16 سنة في السجن، منها 10 سنوات في سجن انفرادي حرمه من الاطلاع أو دراسة أي شيء. لم يقم بأي وظيفة في حياته، وانحصرت دراسته الجامعية في التكنولوجيا. بالطبع، أتمنى لحكومته كل التوفيق. المشكلة التي تواجهه هي البطالة، خاصة بطالة الخريجين. وقد أعلن عن نيته في الاقتراض من المصادر العربية لخلق فرص عمل للعاطلين. هذا ما فعله الاشتراكيون في أوروبا، لا سيما اليونان، وأدى في الأخير إلى إفلاس هذه الحكومات عندما استحق التسديد. واستقالت الحكومة الاشتراكية وسلمت الحكم لمن سيتحمل مسؤولية التقشف. يخيل لي أن هذا ما سيحصل في تونس أيضا. كيف ستسدد القرض؟ هل ستكون الأعمال الجديدة مجدية ومربحة فعلا وتدر للدولة ما تسدد به الدين؟ أشك في ذلك. فلو كانت مجدية لقام بها رأس المال الخاص. إذا عجزت تونس عن التسديد فسيكون لذلك أثر سيئ جدا على المدى البعيد، حيث ستمتنع المصادر العربية عن توظيف أموالها خارج البنوك الغربية.
أبدت الدول الغربية استعدادا مدهشا لمساعدة حكومات الربيع العربي الإسلامية. سيقدم لها صندوق النقد الدولي 35 مليار دولار، وتقدم مجموعة الدول الثماني 38 مليارا. وهي مساعدة مدهشة لأنها تأتي من قوم يصفهم السلفيون بالكفار والصليبيين وأعداء الإسلام، يقدمونها للإسلاميين الذين كانوا حتى الأيام الأخيرة لا ينفكون عن شتمهم والتنديد بهم. لا بأس.. لكن هذا هو الامتحان الذي سيواجهه الإسلاميون. أرجو مخلصا في دعائي أن يحسنوا استعمال هذه الأموال بما يخفف عن المستضعفين ضيمهم ويعطيهم تنمية مستدامة، فلا يتركون ديونا ثقيلة ترهق كاهل من سيليهم في الحكم، إذا سمحوا لأي أحد بأن يليهم.
ما يحصل في الأنظمة الثورية هو أن قادة الثورة يقضون حياتهم في السجون والعمل السري، ولا يقومون بأي عمل أو وظيفة تعطيهم فكرة عملية عن إدارة الدولة. يعيشون غالبا عالة على أهلهم أو حزبهم. كثيرا ما تنحصر قراءاتهم في النصوص الثورية والمثاليات (والفقه والشريعة بالنسبة للإسلاميين). حالما تنتصر الثورة يعتبرون أنفسهم أهلا للحكم، ويعترف الشعب بحقهم فيه. يبادرون فورا بتطهير الحكومة من كل رجال العهد الماضي الذين اكتسبوا المعرفة والخبرة في الحكم. استمعت لمحاضر راح يندد بسياسة الحكومة العراقية.. قاطعه أحد المستمعين: «أعطهم الفرصة يا سيدي ليتعلموا». تمتم مستمع آخر: «يعني يتعلمون الحجامة في رؤوس اليتامى؟!».
معظم وزراء الحكومة التونسية الآن قضوا حياتهم في السجون. رئيسهم الجبالي قضى 16 سنة في السجن، منها 10 سنوات في سجن انفرادي حرمه من الاطلاع أو دراسة أي شيء. لم يقم بأي وظيفة في حياته، وانحصرت دراسته الجامعية في التكنولوجيا. بالطبع، أتمنى لحكومته كل التوفيق. المشكلة التي تواجهه هي البطالة، خاصة بطالة الخريجين. وقد أعلن عن نيته في الاقتراض من المصادر العربية لخلق فرص عمل للعاطلين. هذا ما فعله الاشتراكيون في أوروبا، لا سيما اليونان، وأدى في الأخير إلى إفلاس هذه الحكومات عندما استحق التسديد. واستقالت الحكومة الاشتراكية وسلمت الحكم لمن سيتحمل مسؤولية التقشف. يخيل لي أن هذا ما سيحصل في تونس أيضا. كيف ستسدد القرض؟ هل ستكون الأعمال الجديدة مجدية ومربحة فعلا وتدر للدولة ما تسدد به الدين؟ أشك في ذلك. فلو كانت مجدية لقام بها رأس المال الخاص. إذا عجزت تونس عن التسديد فسيكون لذلك أثر سيئ جدا على المدى البعيد، حيث ستمتنع المصادر العربية عن توظيف أموالها خارج البنوك الغربية.
أبدت الدول الغربية استعدادا مدهشا لمساعدة حكومات الربيع العربي الإسلامية. سيقدم لها صندوق النقد الدولي 35 مليار دولار، وتقدم مجموعة الدول الثماني 38 مليارا. وهي مساعدة مدهشة لأنها تأتي من قوم يصفهم السلفيون بالكفار والصليبيين وأعداء الإسلام، يقدمونها للإسلاميين الذين كانوا حتى الأيام الأخيرة لا ينفكون عن شتمهم والتنديد بهم. لا بأس.. لكن هذا هو الامتحان الذي سيواجهه الإسلاميون. أرجو مخلصا في دعائي أن يحسنوا استعمال هذه الأموال بما يخفف عن المستضعفين ضيمهم ويعطيهم تنمية مستدامة، فلا يتركون ديونا ثقيلة ترهق كاهل من سيليهم في الحكم، إذا سمحوا لأي أحد بأن يليهم.