كان الملك مستاء للغاية في مقر اقامته في واشنطن، خلال زيارته الاخيرة، وهو يتحدث عن المال السياسي، امام اعلاميين، واذ يقول ان دفع المال السياسي يجب ان يتوقف، وقد توقف، وان على بقية الجهات ان لا تدفع مالا سياسياً.
يرد رئيس الوزراء بأن حكومته لا تدفع لاحد ولن تدفع لاحد، مهما هوجمت حكومته، من جانب اي طرف يريد ابتزاز الحكومة.
يومها والساعة تشير الى الرابعة عصراً، بتوقيت واشنطن، سألت الملك عن المال السياسي، وتسخيراته، فقال انه يعرف الذين يدفعون المال، ولمن يدفعونه، وكيف ُيوظفون المال لاعتبارات عديدة ابرزها تشظية البلد، والاساءة له ولاهله، بالاضافة الى اهداف اخرى؟!.
ملف المال السياسي انفجر في البلد، مؤخراً، وتختلط فيه المعلومات بالاشاعات، وهو ملف يفتح ملفات اقدم، لان هناك سلسلة طويلة من المسؤولين دفعوا مالا من مال الدولة، لجهات عديدة، واسماء من مستويات سياسية وحزبية وشعبية الى آخر التصنيفات.
انفجرت اولى قصص قوائم القبض والقبيضة، ابان عهد حكومة سابقة، حين تحدث الزميل الصحافي سلامة نعمات آنذاك عن قوائم لاعلاميين في عمان يقبضون من نظام صدام حسين، وتقريره في “الحياة” اللندنية اثار ضجة واسعة يومها.
قامت الدنيا ولم تقعد، وما لبث ان سقط النظام العراقي، وتكشفت اسرار كثيرة، حول الذين حصلوا على اموال نقدية، وكوبونات لبيع النفط، وقطع سجاد وغير ذلك، من سياسيين واعلاميين وتجار وحزبيين.
تفجرت قصص اخرى في الاردن، مؤخراً، قوائم لاسماء تم الدفع لها من رئيس وزراء سابق، عندما كان في موقعه رئيساً للحكومة، وقيل ان القوائم تشمل الاف الاسماء وتأخذ في طريقها نوابا واعيانا ووزراء وسياسيين واعلاميين.
لدينا الان عشرات القوائم، كل قائمة مرتبطة باسم مسؤول، فهذه قائمة شخصية امنية سابقة، وهذه قائمة شخصية سياسية سابقة، ناكفت الامنية، ويتم وضع الاسماء بطرق مختلفة.
قد تجد اسماً في هذه القائمة، وقد تجده في القائمتين باعتباره كان يلعب على الحبلين، في مرحلة حساسة، سمحت بتسييل المال السياسي.
ملف آخر لرئيس وزراء سابق، غير الذي ذكرته اولا، اذ يتم توزيع ايميلات عن قائمة له، تتحدث عن عقود اعلانية دفعها لبعض وسائل الاعلام بقيمة تتجاوز العشرة الاف لكل وسيلة اعلام كي لا تأتي على سيرته بخير او شر، ولا تعرف الدقة من الكذب.
المثير في القصة انها تخضع لتصفية الحسابات الشخصية، فالذي يحقد على شخص او يكرهه، يبحث له عن قائمة ويزج بأسمه فيها، وقد هالني توزيع قوائم على الفيس بوك لمئات الاسماء حصلت على مخصصات مالية من شركات مساهمة عامة ايضاً.
يستعد اخرون دفاعاً عن انفسهم لطرح قوائم جديدة في الميدان، انتقاما من اخرين، وهناك شركات اخرى دفعت مالا لعقود اعلانية، لم يتم نشرها، واخذها نافذون مقابل السكوت، وبعض اصحاب الشركات يكشفون في مجالسهم كلاماً لا ينشر.
سمعت خلال عملي مستشاراً اعلامياً لرئيس الوزراء عام 2006، وهو المتمنع عن الدفع والتمويل، اسماء عشرات تتردد اسماؤها في فضاء الرئاسة، من عهود حكومية سابقة، انها قبضت كذا واخذت كذا.
المال السياسي، لعنة حلت على حياتنا، واليوم، تختلط القوائم الاصلية بالمزورة، والمعلومات بالاشاعات، وتأخذ القصة في طريقها مئات الاسماء المعروفة، من مستويات مختلفة، سياسية ونيابية واعلامية وحزبية وشعبية.