الاصلاح نيوز-،هل يتوجب على إسرائيل أن تشعر بالخوف من التغيرات الدراماتيكية في العالم العربي بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، خاصة من النظام الجديد في مصر؟ تقدّم الباحثة المستقلة ناتاليا سيمانوفسكي بعض الأفكار لخوض هذا المجال السياسي الجديد.
تنظر الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية إلى التغييرات الكاسحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بخشية وقلق. ورغم أن الطبيعة البشرية تقتضي أن يخاف المرء من المجهول، إلا أن التطورات الأخيرة تمثل نافذة فرصة لإعادة تشكيل المنطقة. لا يعني ذلك القول أن المخاطر التي تواجه إسرائيل وهمية، إذ يتوجب على إسرائيل اليوم أن تتعامل مع نتائج سقوط أكبر حليف لها في المنطقة، وهو الرئيس حسني مبارك، ومواجهة حكومة منتخبة جديدة تُعتبر مواقفها حيال القضايا المتعلقة بالدولة اليهودية غير واضحة في أفضل الحالات.
وفي الوقت الذي لا نقلل فيه من تقدير التحديات التي تواجه إسرائيل وهي تحاول إيجاد طريقها في أوضاع غير واضحة، إلا أن النظام الإقليمي الجديد قد يوفّر لإسرائيل فرصة إستراتيجية مثيرة للاهتمام. إلا أنه يتوجب على إسرائيل أن تكون مدركة للفروقات الدقيقة التي تطرحها الأوضاع.
الربيع العربي والديمقراطية
هل يفرز الربيع العربي محورا إسلاميا يتجاوز الأطر الطائفية؟
أدى الربيع العربي والمشهد الجديد الذي ظهر في أعقابه إلى عدد من التطورات، بما فيها انتخابات حقيقية حرة في تونس. إلا أن الكثيرين في إسرائيل يرون ظهور حزب النهضة الإسلامي السياسي على أنه سابقة لمشاعر قوية معادية للغرب ولإسرائيل، حيث ينظرون إلى حزب النهضة على أنه حليف أيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ولكن الأحزاب التي تستخدم الإسلام كخلفية لسياساتها ليست أحادية كما يفترض الكثيرون خطأ.
نتج عن الانتخابات في تونس فوزاً بالأغلبية لكل من الأحزاب الإسلامية الليبرالية والمعتدلة. صحيح أن حزب النهضة فاز بأربعين بالمائة من الأصوات الانتخابية، ولكنه يتوجب عليه التشارك بالسلطة مع الأحزاب العلمانية وأحزاب الوسط اليساري. ولا تشكل احتمالات أن تشهد تونس طفرة جديدة للقيم الدينية في المجال العام تهديداً وجودياً لإسرائيل. أما بالنسبة لمصر، فقد نتج عن انتخاباتها نصراً للإخوان المسلمين، وجاء حزب النور السلفي المتشدد في المركز الثاني. ورغم أن نصر حزب النور يمكن أن يثير بعض المخاوف، هناك أسباب للحذر المتفائل. فجماعة الإخوان المسلمين في العام 2012 ليست هي نفس الحزب قبل 10 أو 50 سنة مضت، فتطور المنظمة عبر السنوات اتسم بتوجه براغماتي فيما يتعلق بالمساواة في النوع الاجتماعي وغيرها من المبادئ الديمقراطية، وفيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل.
أما فيما يتعلق بالتقارير الإعلامية القائلة أنه عند وصولها إلى السلطة، فسوف تلغي الجماعة المعاهدة الإسرائيلية-المصرية أو تطرحها للاستفتاء، فإن هذا بعيد عن التأكيد. تتعهد الأحزاب أحياناً عديدة بأمور كثيرة، إلا أن الاعتبارات الداخلية والخارجية تؤدي إلى تغيير الاستراتيجيات عندما تصل إلى الحكم. إضافة إلى ذلك، فإن واحداً من أكبر الحوافز لضمان استمرار معاهدة السلام هو المعونة التي تبلغ حوالي ملياري دولار والتي تقدمها الولايات المتحدة لمصر كل سنة، والمفيدة بشكل خاص للحكومة الجديدة. بدلاً من النظر إلى انتقال السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية على أنه تهديد، تستطيع إسرائيل تشكيل علاقة مع الحكومة الجديدة، وخاصة في مجال الأمن. يمكن لاستمرار التعاون الأمني بين إسرائيل والجيش المصري (الذي يسعى جاهداً لإخراج المتمردين من سيناء) أن يشكل قناة لتغيير إيجابي طويل الأمد لكلا البلدين.
المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس ستدفع نحو اعتدال حماس
حماس والعملية السياسية
،وفي المجال الأقرب إلى الوطن، ستكون إسرائيل ذكية إذا ما استغلت الشكوك المحيطة بحماس. فقد أدت الخلافات بالرأي حول اعتدال سياسات حماس الناتجة عن عدم استقرار نظام الأسد إلى صراع على السلطة بين القيادة في دمشق، التي تدافع عن توجه أكثر اعتدالاً، والقيادة في غزة التي لا تفعل ذلك. تشير التقارير إلى أن لمصر وقطر وتركيا دوراً رئيسياً في إقناع حماس بإنهاء المقاومة المسلّحة ضد إسرائيل. قدم خالد مشعل، الذي كان رئيس المكتب السياسي لحماس في سوريا والذي كان يشجع سياسة معتدلة فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، استقالته قبل بضعة أيام. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة التنازل عن التوجه المعتدل. حتى في آذار/مارس 2011، عندما أجريت مقابلة مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، كانت فتح تعمل باتجاه جعل نبذ حماس العنف بشكل ضمني ضد إسرائيل واحداً من أهدافها باتجاه التسوية.
وبوجود موسى أبو مرزوق، نائب مشعل والمولود في غزة، خليفة محتملة له، فإن التوجه باتجاه الاعتدال قد لا يكون في خطر، حيث يعتقد أنه هو أيضاً يدعم جهود التسوية بين فتح وحماس كما يدعم الاعتدال. كان أبو مرزوق من كبار المسؤولين في حماس منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، وتعتبر مواقفه حيال الاحتلال براغماتية، كما ظهر من مقالات له نشرت في الصحافة الغربية. التحديات التي تواجه إسرائيل في هذه البيئة غير المستقرة والدينامية هائلة دون شك. ولكن الفرص تأتي مع التحديات. إذا استطاعت إسرائيل التعامل مع هذه التطورات بصورة ابتكارية، وبحذر في الوقت نفسه، فقد تشير التغيرات في المشهد السياسي إلى احتمالات تطورات مواتية للشرق الأوسط عامة ولإسرائيل بشكل خاص.