عندما يتحول وزراء خارجية اميركا وفرنسا وبريطانيا والمانيا والبرتغال في جلسة مجلس الامن الدولي مساء الثلاثاء الى معلقين صحافيين وكتاب رأي، تكون الجامعة العربية قد خسرت قضيتها السورية التي حملتها الى الهيئة الدولية شاكية من نظام الرئيس بشار الاسد الذي لم يحترمها ولم ينفذ مطالبها.
كانت الجلسة فرصة للتعرّف على وجه جديد للسياسة الغربية التي زادت تواضعاً وتخلت عن صلفها التقليدي، وسلمت بحدود القوة وادواتها التي يمكن استخدامها من أجل التأثير في اي ازمة داخلية، لا في سوريا وحدها بل في اي بلد آخر في العالم. التخفي وراء الموقف الاخلاقي لم يكن مقنعاً ولا كان مجدياً. والبكاء على الشعب السوري لم يكن موفقاً ولا كان مؤثراً.
لا يمكن للغرب ان يزعم انه حارس القيم الإنسانية وحافظ المفاهيم الأخلاقية، برغم ان الجلسة العلنية والأزمة السورية اتاحت لوزرائه القيام بهذا الدور الطارئ، الذي لا يمكن ان يخدم اي غرض ولا يمكن ان يخدع أحداً. فالاشتباه بان العواصم الغربية الكبرى لا تزال تميل ضمناً الى الابقاء على النظام السوري، يبقى قائماً حتى يثبت العكس الذي لم يثبت تماماً بعد. ولعل التجارب التونسية والمصرية والليبية خير دليل على الصداع الذي يصيب الغربيين عامة جراء الربيع العربي الذي بدأ مدنياً فصار إسلامياً.
كانت الجلسة مناسبة جديدة للتعبير عن ان الغرب حسم أمره وصار للمرة الثالثة او الرابعة مع خيار الشعب العربي لا مع استقرار الاستبداد العربي. وهو تحول جوهري في سياسة الغرب وفي سلوكه وفي تاريخه الاستعماري القديم، لكنه لا يزال يخضع لاختبارات قاسية، وأسئلة صعبة، منها السؤال الغربي الذي لا يزال يتردّد يومياً عن البديل غير الجاهز للنظام السوري.. مع العلم ان اي ثورة عربية لم يكن عندها بديل جاهز، وهي حتى اللحظة ما زالت تبحث عن نماذجها ودساتيرها ورموزها وخياراتها الوطنية.
وكما لم تكن هناك ثقة في الغرب في اي يوم مضى، لن تكون هناك ثقة به في اي يوم مقبل. ومن حسنات الربيع العربي انه أعاد طرح هذه العلاقة الملتبسة على بساط البحث والتدقيق، الذي يمكن ان يؤدي خدمة جليلة للامة كلها اذا لم ينحرف الحكام إلاسلاميون في المرحلة الانتقالية الراهنة نحو المصالحة المبكرة وغير المشروطة مع الغرب، كما هو ظاهر في تونس ومصر وليبيا وغيرها.
لا ثقة في الغرب حتى ولو بدا في الجلسة السورية رفيع الأخلاق نبيل المقاصد والنوايا. لهذا السبب، بدا أن التوجه العربي الى مجلس الأمن مضيعة للوقت وهدراً للجهد ووقعوا في فخ روسي وصيني لا يقيم للشعب السوري أي وزن ولا يحسب له أي حساب.. ولا يقل عن الغرب توحشاً.