كتب عيسى المحاسنه /
تأثرت كثيراً عندما رأيت أفراداً لا يهدى لهم بال بعد أن علموا أن على الانترنت مواقع فاحشة، لا ينامون الليل، يسهرون عسى أن تستجب الحكومة وتمنع عن الوطن هذا “الخطرالداهم الذي يحتاج جهد الشرفاء والمخلصين”… لم أفكربصراحة من قبل أن تكون الإنترنت بهذا السوء، ولكن دعايتهم التي تضرب على أوتار الثقافة والقيم تارة وأوتار المواطنة الصالحة تارة أخرى قد تقنع كل جاهل.
الواقع هو أن ما يسمى (بحملة حجب المواقع الإباحية في الأردن) اجمعت تحت رايتها أكثر من ثمانية عشر ألفا من الفيسبوكيين في أسابيع محدودة، ومن الساخر أن من أعرفهم جيداً من المنتسبين في الحملة هم من بين زوار المواقع الإباحية، وربما الأكثر حرصاً ودواماً عليها، ولكني أظن أن السواد الباقي منهم هم من بين “الشرفاء والمخلصين” كما يسمونهم المسؤولون عن الحملة الذين يريدون حقاً إيجاد حل لهذا المأزق.
حسن النيات
وسوء الأعمال
على الرغم أنني لا أظن أن هذه المواقع هي السبب الأعظم والأكثر شأنا في ضياع هذه الأمة، ولكن لا بد من الاتفاق على حماية أطفالنا منها، وجود إنترنت آمن ونظيف هو خيار يصعب تجاهله في بيت أي أسرة أردنية، هذا كلام حق لا شك فيه. ولكن أليس الأجدى والأنفع لأطفالنا ان نعلمهم على الابتعاد عن السيئات؟ ماذا يكلفنا أن نجلس مع أولادنا قليلاً وأن نقول لهم أن العالم ينقسم إلى خير وشر، ويجب علينا أن ننأى عن الشر؟ هل فكرتم في الجلوس مع أطفالكم عندما يتصفحون الانترنت وأن تتبعوهم وأن تراقبوهم؟
أعتقد أن هذا هو الحل الأمثل للمشكلة، ولكن إذا أمنتم أن تربية أولادكم سوف لن يفيدهم شيئاً، فهناك حلول بديلة أيضاً.
يمكنكم أن تحجبوا هذه المواقع بذاتكم إذا أردتم، إذا هذا هو حقاً ما تسعون إليه، الإنترنت مليئة ببرامج يمكنكم استخدامها لهذه الغاية، إذا قمتم ببحث سريع على جوجل لوجدتم أكثر من ثلاثين مليون نتيجة (وهذا عدد مقصود لذاته وليس كناية عن الكثرة)… في معظمها برامج مجانية لا تكلفكم شيئاً، ويمكن إثباتها على أجهزتكم في أقل من خمس دقائق.
هناك إضافات -مجانية وغاية في السهولة أيضاً- لمتصفحات الإنترنت، ألا تريدون تجربتها؟ ولكن هناك أيضاً حلاً ثالثاً، مزودو الإنترنت في الأردن يقدمون خدمة الإنترنت الآمن، اتصلوا بهم إذا أردتم تشغيل هذه الخدمة (آمل ألا تكونوا على هذه الدرجة من الكسل أو عدم العلم في تثبيت البرمجيات على الحاسوب).
هل تناسينا
أولوياتنا؟
وبعد القناعة أن الحملة أهدافها سليمة وجميلة، أمسى يراودني سؤال آخر، فلنفرض أن الإنترنت تحتوي على مواقع سيئة لهذه الدرجة، الم يكن جلياً بنا أن نطالب أولاً بحجب مواقع أشد ضرراً؟ هناك مواقع تحرض على القتل علانية، هناك منتديات لجماعات إرهابية يخطط زائروها لقيام جرائم بشعة بحق أبرياء، مواقع عنصرية لا تحترم الآخر، هناك مواقع تنشر في عقولنا أفكاراً أكثر سمومة -وصدقوني- من تلك المواقع الإباحية، أين نحن من كل هذا؟ أستغرب أني لم أسمع ببنت شفة عن هذا، ونتمنى ألا يكون التفكير والعمل متدنياً بهذه الدرجة ليصل فقط إلا المستوى الجنسي.
هناك، وللأسف، مغالطات جمة تكاد لا تحصى في ما يكتبه العاملون على الحملة، وجدت وبصعوبة القليل من الحقيقة العلمية، ولكن جل ما كتب في الحملة لا تتعدى عموميات ديماغوجية في الكثير من الأحيان، مثل القول أن مدمني المواقع الإباحية يصبحون مدمني كحول ومخدرات، وأن المواقع الإباحية سبب في معظم آفات المجتمع، من التفكك الأسري وصولاً للأمراض النفسية والاغتصاب.
لا بد أن نحارب كل هذه الأعمال المشينة، ولكن للرجوع إلى مسبباتها الحقيقية ومن السهولة والاستسخاف أن نحمل المواقع الإباحية كل أخطائنا.
استحالة الحجب
عملياً وخطورته
يجب ألا ننسى أن الإنترنت وُلد ليبق حراً، فعلى الواقع لا توجد آلية عملية لتنفيذ حجب حقيقي لأي موقع كان. تقنياً، الأمر ليس أصعب من استخدام (بروكسي) ليسمح لك بالدخول حيثما شئت، معظم طلاب الجامعات يدركون ذلك ويستخدمون هذه الطريقة للدخول إلى مواقع مثل فيسبوك والذي غالباً ما تكون ممنوعة من قبل رئاسات جامعاتهم.
فوائد ومنافع أي حجب، هي الأخرى، محل تشكيك. الواقع يثبت أن الدول التي حاولت حجب المواقع الاباحية لم تحقق فعلاً ما رنت إليه. والحقيقة أن هذه الدول هي نفسها التي تتساهل مع حجب الإنترنت لأغراض أخرى، خاصة السياسية ولتقييد حرية الرأي والتعبير.
وهنا يكمن الخطر الأكبر من أي عملية حجب، وهو تقييد حرية الإنترنت، حجب المواقع الإباحية عادة ما يكون الخطوة الأولى لتنفيذ خطط الحجب على نطاق أوسع، تبدأ بالمواقع الإباحية، لتشمل بعدها مواقع تخدش الحياء العام، ومن ثم مواقع أقليات ذات توجهات فكرية أو دينية تختلف مع الأغلبية في دولة ما، لتصل بعدها إلى مواقع تنشر أخباراً قد تكون خطيرة لنظام ما، لتصل في النهاية إلى المواقع المعارضة أو تلك التي ترفع من أصوات المواطنين.
في النهاية الحجب يشمل كل كلام جريء أو تعبير حر، هل هذا ما نرنو إليه فعلا؟