الإصلاح نيوز- مروة ،بني هذيل/
يجهل بعض الناس قيمة وفضيلة الاعتراف بالخطأ، بحجة أن الاعتراف قد يسبب مشاكل وخلافات، أكبر من الخطأ نفسه..عدا ان المجتمع لا يتفهم هذا التصرف ولا يقابله بتسامح وبقلب طيب.. ومن هنا نجد صعوبة لدى المذنبين في الاعتراف بأخطائهم، مفضلين الصمت والتجاهل.
إحساس بالذنب نتيجة الصمت..
يملأ الإحساس بالذنب وجدان العشريني صالح عواد نتيجة كتمانه لسر إيذائه غير المباشر لزميله بالعمل، وكان سبباً في فصله من منصبه الوظيفي، موضحاً أنه لم يكن يقصد تلك النتيجة السلبية، يقول:” أعترف بالخطأ الآن، لكنني لم أملك القدرة على الاعتراف بالخطأ وأذيتي لزميلي..فشكوته للمدير العام بأنه لا يعمل مشاريعنا المشتركة بذهن صاف، ويصب العمل كاملاً على كتفي، لم أتوقع أن يقوم المدير بفصله بداعي عدم حاجة الشركة لموظفين مهملين، ومن بعد هذا القرار..بدأ إحساسي بالذنب تجاه زميلي يزداد يوماً بعد يوم..لدرجة أنني أتجنبه تماما بأي اجتماع أو لقاء خارجي..”
يؤكد صالح أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار أمر يحتاج لجرأة وشجاعة، لكن شدة إحساسه بالذنب فاقت مقدرته على الاعتراف.
اعترفت بالخطأ.. وبعدها بدأت مأساتي
في قصة روتها ميس خالد، شرحت مأساتها وموقفها من الاعتراف بالخطأ، مبينةُ بأنه حق يرضى عنه الله..ولا يرضي العباد، تقول:” تزوجت زواجا تقليديا منذ سنتين، وبفترة خطوبة قصيرة جداً..لم أكن مقتنعة تماماً بقرار الزواج منه..إذ أن لي علاقة سابقة مع شاب وعدني بالزواج كانت تشغل كل تفكيري، بحثاً عن القرار الصائب والأصح في الاستقرار والاختيار..وبعد أن تم نصيبي بالشكل التقليدي، اعترفت لزوجي بما مضى لي من أفكار وحيرة.. لم يكن خطأً ارتكبته، بل كان مجرد موقف عشته..ومن هنا بدأت مأساتي، فيعتبرني زوجي بأنني قد خنته في فترة خطوبتنا..وأنه لم يكن هو الشغل الشاغل في عقلي وقلبي.. ولا أنكر ندمي على اعترافي الذي قصدت فيه الصراحة والوضوح لبناء الثقة في حياتي الزوجية، فاعترافي للشخص الخطأ أوقعني بالخطأ..”
مهما كانت النتيجة.. فالاعتراف واجب أخلاقي
يصف الثلاثيني، أسامة الفياض نفسه بأنه شخص صريح وواضح في كل تصرفاته ومواقفه، عدا حذره في التصرف حتى في التفكير أحياناً..يقول:” رغم حذري الشديد في التعامل مع المجتمع حولي، إلا أنني وقعت في أخطاء أزعجتني وأزعجت الطرف الآخر في الموقف..ومن هنا أقوم بالاعتراف بالخطأ والاعتذار ممن أخطأت بحقه حتى لو كان ذلك على حسابي بعدم تقدير اعترافي.. فالاعتراف والاعتذار فضائل لا يفهمها إلا أصحاب الأخلاق والمبادئ.”
انعدام ثقافة التسامح
يرى الثلاثيني ناصر موسى العنبتاوي أن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه لا يتيح لنا فرصة نفض أخطائنا وخطايانا عبر الاعتراف والبوح بها وذلك لان ثقافة التسامح معدومة في مجتمعنا العربي الذي لا يقدر من يعترف بالخطأ ولا يعترف أن الصواب جزء من الخطأ، وهذا احد أسرار ومفاتيح فهم المجتمع الشرقي الموغل بالتخلف، وللأسف المجتمعات الغربية تعترف بثقافة الاعتراف بالخطأ والتسامح وفق الخطأ المرتكب.
تصيد الأخطاء صفة اجتماعية
تعتبر العشرينية أماني الدريدي أن الاعتراف بالخطأ يعتمد على الشخص المعني، وشخصيته وتفكيره، مبينة بأنه ،ليس كل شخص يمكن أن يتفهم هذا الموقف الأخلاقي، بالاعتراف بالخطأ أمامه، فالشخص المتفهم الواعي يمكن أن يكون أكثر تفهما ويكن التقدير أكثر بعد الاعتراف له بالخطأ وبهذا يتسامح ويقلب صفحة الماضي بصفحة أخرى بيضاء.. لكن للأسف اغلب الأشخاص همهم فقط من يتصيدون أخطاء الآخرين وعثراتهم
سلوك الاعتراف بالخطأ نادر جدأ في المجتمع
يبين الدكتور حسين محادين وجود متغيرين متعلقين في جرأة الإفصاح والاعتراف بالخطأ ، أولهما مرتبط بأنماط التنشئة الاجتماعية التي نتشربها ما إذا كانت تؤيد وتحض الإنسان على الاعتراف بالخطأ وهذا ما زال ضعيفا في ثقافتنا العربية، والإسلامية، والدليل على ذلك أننا ما زلنا نحاكم قرارات أجدادنا أين أخطأوا وأين أصابوا ، وهذا مؤشر على أن هذا السلوك ليس متجذراً في حضاراتنا وحياتنا بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمسرح السياسي في العالم العربي.. والمتغير الثاني هو غياب المعايير المستقرة التي تحدد لنا أفراداً وجماعات المسموح فيه والمنهي عنه، لذلك نجد أن الملح الأبرز في هذه السلوكية هو اعتبارنا أن الاعتراف بالخطأ يمكن أن يمثل جبنا أو انتقاصا من حريتنا أو استقلاليتنا، وعليه نجد أن القلائل منا من يعترف باخطائه وتجاوزاته .
يضيف محادين أن الاعتراف بالخطأ يمثل درجة عالية من النضج فردا كان او دولة، وعليه نحتاج إلى غرس مثل هذه السلوكية الايجابية عبر مؤسساتنا المرجعية من الأسرة إلى المسجد والكنيسة والمجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة .
المعترف في خطئه ذو شخصية قوية
يشير الدكتور خليل أبو زناد اختصاصي علم النفس بأن الاعتراف بالخطأ صفة فضيلة ،وبها يمكن استنتاج شخصية هذا الإنسان بأنه ،ذو شخصية قوية شجاعة، وثابت في مواقفه وواثق من نفسه، فالاعتراف يحتاج إلى قدرة وجرأة لقول الحق والاعتراف بالخطأ، وإذا اجتمعت، الصفتان في ذات الشخص يكون قدوة لغيره بأخلاقه وشخصيته وهو بذلك يكون قد تعلم من أخطائه ويستفيد من تجاربه.
لكن للأسف المجتمع لا يقدر دائما هذا الموقف ويقابله بالاستغراب والدهشة من تصرفه وتلك الفئة ذات نية سيئة أحيانا فتقوم بقلب الموضوع على الشخص، أما المجتمع الواعي المثقف فيجب أن يحترم هذا الاعتراف ويقدره كي ،لا يتمادى المذنب في أخطائه مستقبلا.
فالاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه فضيلة كبيرة وخصلة حميدة وهي دليل ثقة بالنّفس واحترام لعقول الآخرين، والشّائع في حياتنا، ما ينتج إلا عن خلل في التربية وعدم ثقة بالنّفس، فثقافة عدم الاعتراف بالخطأ وصعوبة الاعتذار عنه واستماتة في تبريره والدّفاع عنه نتائجها لا تُحمد عقباها .
” كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون“
يقول الدكتور الشريعة الإسلامية عوض الفاعوري أن الخطأ في حياة الناس أمر وارد الحدوث ، ولا يستطيع إنسان أن يدعي العصمة مهما كان شأنه فيقول أنا لا أخطئ إلا الأنبياء والمرسلون ، وصدق رسولنا حين قال ” كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون”
والخطأ الحقيقي هو تمادي البعض في الخطأ، وعدم اعترافهم به، والإصرار عليه، والجدال عنه بالباطل، وما يقابل ذلك في الثقافة والتربية الإسلامية هو”التوبة” باعتبارها مصطلحا إيمانيا مرتبطا بالمعاصي أو التقصير في حق المولى عز وجل، وتشمل مصطلحات الاعتذار المتعلقة بحق الناس والمجتمع، وتشمل شرط الندم على المعصية والمراجعة الذاتية والاعتراف بالخطأ والإقرار به، والرجوع عنه.