كيف نجعل اهل الفساد يرون مصالحهم في ترك السرقة اذا لم يخافوا الله والقانون .
ليس هذا المقال جديدا, بل سبق ان نشرته قبل سنوات , لكنني استاذن السادة القراء الكرام في اعادة نشره لانه قد يكون مفيدا في الحرب التي نشنها جميعا على الفساد التي نتمنى لها نهايات سعيدة:
بعض الأفكار تتعدى الجغرافيا او الحالة التي تنطلق منها , ومنها فكرة إعلان في وسائل الاعلام تحدث عنها احد المثقفين المصريين في حديث تلفزيوني (قبل الثورة) في معرض حديثه عن الفساد في بلاده, والإعلان موجه الى ممارسي الفساد في بلاده, ليس لمطالبتهم بالتوقف عن الفساد بأشكاله المالي والسياسي والإداري, بل يدعوهم إلى ترشيد فسادهم, لأن مصلحتهم ان يبقوا شيئا لأولادهم ليمارسوا فيه الفساد. ونحن نوجه ذات النداء الى ممارسي الفساد في بلادنا او من ستتاح لهم الفرصة في المستقبل
والإعلان المقترح يطالبهم بأن يمارسوا نوعا من التقشف في الفساد حماية “لحقوق ابنائهم” في ان يجدوا في بلدانهم اموالا ومقدرات وعقارات وشركات عامة ومواقع سياسية ليمارسوا فيها الفساد ويبنوا كما بنى آباؤهم لأنفسهم المجد والثروات.
ولعل هذا الاقتراح يمكن تعديله بالقول ان انواعا من الفساد يجب على اصحابها ان يمارسوا نوعا من القناعة من حيث كمية الفساد الممارس, لأن الاسراف في الفساد قد لا يبقي للأبناء أوطانا يمكن ان تمارس فيها الحياة فضلا عن الفساد, فالفساد وبضخ جائر لمقدرات اي بلد قادر على تحويل البلدان الى مناطق لاتصلح للحياة لانها تفقد حتى الحدود الدنيا من المقدرات وهي الامان العام.
يذكر هذا المثقف المصري قصة عن الرئيس الوزراء التركي السابق تورغوت اوزال الذي جاء إلى الحكم فوجد الفساد مستشريا, فوجه نداءه للفاسدين بأنه لم يأت للقضاء على الفساد, بل يرجوهم ان لا يتعاملوا بعقلية الاجتثاث لكل شيء وهم يبحثون عن منافع ونفوذ وأموال, وربما من يعرف تركيا جيدا قبل عقود قليلة كان يعرف حجم الفساد فيها.
مضمون الإعلان يحمل تواضعا من المواطنين تجاه محترفي الفساد, ويحمل شفقة على أبنائهم لأنهم يجب ان يجدوا شيئا حين يشتد عودهم ليمارسوا من خلاله ما ورثوه عن آبائهم من فساد. والا فانهم سيستحقون الشفقة والعطف.
وحتى النفوذ السياسي واستغلال المواقع لتوسيع النفوذ الشخصي او لتشكيل شلل او الانتقام من الخصوم فإن مضمون الإعلان يمكن ان يشمل هذه القضية. فعلى ممارسي هذا النوع من الفساد السياسي ان يتركوا لأبنائهم مساحة لا تكون فيها قائمة اعدائهم او المتضررين منهم كبيرة جدا, وأن يدركوا انهم مثل غيرهم سيتحولون الى متقاعدين, وعندها سيحتاجون الى ذكرى حسنة وابتسامة من شخص رأى منهم خيرا.
عزيزي الفاسد, اترك شيئا لأبنائك وأحفادك, ولبعضهم في هذا العالم من المحيط الى المحيط نقول اترك وطنا لمن خلفك لأن بعض الفساد يؤدي بالأوطان ويذهب بالأمان.
ربما لن يجد هذا النداء استجابة من الفئة المستهدفة, وهي فئة الفاسدين لانهم يعتقدون ان البلاد لن تبقى بذات السوية الى حين تمكن ابناءهم من حمل لواء المسيرة , او ربما لقناعتهم ان من هم على شاكلتهم لن يتعاملوا بذات الطريقة وسيعملون على الحصول على كل شيء, وقد يكون السبب ان هؤلاء يؤمنون بالقدر وان لكل مخلوق رزقه الذي كتبه الله تعالى له, وبالتالي فاذا كان لهم ذرية تسير على نهجهم فان رزقها من الفساد سياتيها .
لكن اذا لم يمارس هؤلاء القناعة فاننا نأمل ان تكون الحرب على الفساد كافية ليقتنع بعضهم ان مصلحته وليس الخوف من الله تعالى او الحرص على المال العام , مصلحته فقط ان يكون فاسدا قنوعا او يمارس نوعا من الترشيد والتقنين لفساده.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net