محطة أخيرة ما بين الضاحية الجنوبية لبيروت وساحة تايانامين في وسط بكين، حبل سري لا يرى بالعين المجردة، ولا يظهر على شاشات الرادار التي تتابع الأزمة في دمشق. وهو رباط لن ينقطع بسهولة، لان أحدا لا يكترث لشده او ارخائه.. ولا حتى للتوجه الى الصين لمعرفة المواد المستخدمة في صنعه.
السفر الى موسكو عبث، ومضيعة للوقت: دافعه القرب الجغرافي والميل التاريخي الى الكرملين الذي ظل طوال القرن الماضي كعبة العرب وممرهم الافتراضي الى لعبة الامم. وحافزه الابرز سلاح روسي امتلكته جيوش عربية لم تتقن استخدامه في الأمس وهي تسيء توجيهه اليوم.. ولن تفيد اي صفقات جديدة في اعادة تصويبه.
الأنظار والوفود المتجهة الى العاصمة الروسية هذه الايام أملا في تعديل موقفها من الثورة السورية، او من الدولة الإيرانية، لن تحصد سوى الخيبة، ولن تزرع سوى الفخر في الضاحية الجنوبية لبيروت.. مع العلم بأن صفقة واحدة تترقبها موسكو وتقدر بما بين ستة وسبعة مليارات دولار يمكن ان تدفعها الى الانضمام الى المبادرة الخليجية العربية الخاصة بسوريا مثلما فعلت مع المبادرة الخليجية العربية الخاصة باليمن.
المفتاح في بكين لا في موسكو. فالعاصمة الصينية لا شك في انها تشعر هذه اللحظات بالدهشة لانها لم تصبح محجة الزوار العرب والأوروبيين والأميركيين، مع انها تملك حق الفيتو نفسه، ومع انها تملك قوة اقتصادية وتأثيرا سياسيا ومعنويا أقوى بما لا يقاس من كل ما فعله الروس في الأسابيع القليلة الماضية، سواء في اعلان صفقة الطائرات مع سوريا البالغة نصف مليار دولار او في إرسال أسطول حربي الى ميناء طرطوس.. او في التأكيد انها كانت ضد التدخل الأجنبي في الأزمة السورية التي فتحت منذ اشهر على التدخلات الخارجية المختلفة.
لا تزال موسكو قوة مؤثرة لكنها ليست حاسمة مثل بكين التي يبدو انها مركز القوة الفعلي لذلك المحور الممتد من الضاحية الى تايانامين. والدرس الإيراني لا يحتمل الشك او الجدل. نقطة الارتكاز الرئيسية لطهران ودمشق وحلفائهما اللبنانيين، كانت وستبقى صينية، والسلاح الذي لم تبدأ الصين في تصديره الى ذلك المحور، هو اقل عناصر التأثير التي يخشاها خصوم دمشق وطهران والضاحية. خطوط التجارة والنفط هي التي تحمي النظام الإيراني من الانهيار، وهي التي تمنع انقطاع الحبل السري المشدود الآن على اول تجربة سياسية للمارد الصيني في المشرق العربي، بعدما اثبت في تجاربه السابقة في الساحة الدولية وفي البورصات العالمية انه لم يعد قوة يمكن الاستغناء عنها.
لعل بكين لا تريد ان تظهر في الصورة او تقف في الصفوف الأمامية. لكن رؤيتها بالعين المجردة لا تتطلب التوجه الى الضاحية الجنوبية.. ولا تبرر السفر الى موسكو، الا اذا كان الهدف هو طلب العلم من الصين.