،
قبل نحو ثلاثة اشهر مضت زارني سيدان عراقيان كريمان لم اكن على معرفة بهما من قبل، ولم أسالهما حتى هذه الساعة من اين حصلا على رقم هاتفي، قالا لي على الهاتف انهما يودان مقابلتي، وليس مثلي من يرد طلبا لمثلهما، وكان اللقاء حميميا لدرجة انني شعرت أننا نعرف بعضنا منذ سنوات.
استمر اجتماعنا نحو ساعة ونصف، قالا فيه الكثير عن العراق وعن احلام العراقيين، وعن سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي، وما يعانيه العراقيون تحت سلطته وسلطة حزبه وغير ذلك كثير..
وقبل ان نفترق على امل لقاء اخر يتجدد بعد عودتهما من بغداد لعمان قال لي احدهما ان هذه الزيارة للتعارف اولا، ولطلب نسخة من كتابي” وصايا الذبيح.. التقي والشيطان في رسائل صدام حسين” موقعة مني لتوضع في مكتبة ضريح الرئيس الشهيد صدام حسين.
فوجئت من الطلب، وقبل ان اوجه اي سؤال له تابع قائلا” لقد انشأنا مكتبة في مبنى ضريح الرئيس الشهيد، ونطمح بنسخة من كتابك، ونحن مجموعة نعمل معا على جمع كل ما كتب او نشر عن الرئيس صدام رحمه الله في مكتبة قمنا بتاسيسها وانشائها بالتعاون مع عشيرته واهله ومحبيه في مبنى ضريحه”.
ووقعت نسختين من الكتاب، فقد شعرت في حينه ان كتابي الذي نفذت طبعته الاولى بالكامل سيأخذ مساحة بالقرب من صاحب موضوعه اصلا وهو الرئيس الشهيد صدام حسين، وكنت في لحظتها كمن يمسك القلم لأول مرة بيده، وتملكتني الحيرة فيما ساكتبه على، النسختين اهداء شخصيا مني لمكتبة ضريح الرئيس”الذبيح”.
ولا أذكر تحديدا ما كتبته، فقط أذكر أنني أعجم عليَّ تماما، ولم تطاوعني “العربية بكامل غناها”، توقفت للحظات بدت طويلة نسبيا لأختار ما ساقوله، وربما هذا ما دفع بالزائر الكريم ليبتسم قائلا” كأنك محتار..”، نظرت اليه وقلت “نعم.. لا يحضرني شيئا..”.
وحمل الزائران ما طلباه مني الى مكتبة الضريح، وبعدها بأيام اتصل بي احدهما ليخبرني بان النسخة من الكتاب اخذت مكانها في مكتبة الضريح، ولحظتها شعرت بأنني صرت أقرب للرئيس من اي وقت مضى، حتى وانا اضع كتابي عنه.
هذه التفاصيل تذكرتها قبل ايام عندما امر نوري المالكي بمنع زيارة ضريح الرئيس صدام حسين، وتطويقه من قبل شرطته، فقد قلت لحظتها في نفسي” ها هم مرة أخرى يحاصرون الرئيس ميتا”، وتذكرت ايضا كيف ان كتابي نفسه تعرض للمنع والمحاصرة والحجز 16 شهرا، وتعرضت بسببه لما تعرضت له من قضايا وتهديدات واتهامات وغيرها.
والأدهى من كل ذلك ان نوري المالكي وحزبه من عبدة القبور، ومن المطوفين بها والمتمسحين بحاجرتها وبجدرانها، وان قراره ليس له علاقة بالدين من قريب او بعيد، وانما هي السياسة والرعب والخوف حتى من زعيم ميت بدأ يعود من جديد للأضواء ليس عند العراقيين وانما عند العرب اجمعين.
ولعل اخوف ما اخافه ان يذهب المالكي لاحقا الى هدم ضريح الرئيس الشهيد واهل بيته، ولا اعتقد ان المالكي سيتورع عن هذه الجريمة فانصاره وانواعه هدموا قبور صحابة، واعتدوا على قبور اخرين لدواع سياسية اولا، ولدواعي طائفية ثانيا.
استذكر ذلك الآن وأنا أدرك تماما بأن سلسلة تحولات كبرى في الأفكار ستضرب يقوة غير متناهية كل منطقتنا لاحقا، وأن علاقات أخرى من نوع مختلف ستعيد فرض نفسها علينا، وفي كل تفاصيلها فإن شخصا بقامة صدام حسين سيكون له مكانه اللائق به في خارطة التحولات بالأفكار والعقائد التي ستنبسط تماما امام عرب الإقليم بعد ان تتكشف تفاصيل “الربيع العربي” امام شمس الصيف المنتظرة.
،