الاصلاح نيوز /
مع إنتشار الحركات الثَّوريَّة في العديد من بلدان العالم العربي، وبما أنَّ الفنان يعتبر قدوةً للمجتمع، فإنَّه كان حاضرًا أو لربما أُجبر على الحضور وإبداء رأيه في هذه الأحداث، فكيف يصف الفنانون العلاقة مع الصِّحافة خصوصًا عندما كانوا يُسألون عن آرائهم السِّياسيَّة؟
دمشق:،من دون شك لم يكن عام 2011 المنصرم من أحسن الأعوام المهنية بالنسبة للصحافة الفنية في محيط الأحداث في العالم،العربي، وكان هناك ثمة سؤال أخلاقي طرأ وتم تداوله بين الصحافيين عن كيفية كتابة خبر فني في الوقت الذي يسقط فيه العشرات بل المئات في الشارع العربي.
وبما أن الصحافة والإعلام هي الروح النابضة للفنان، ولها دور فعَّال في الاهتمام بحركتهم، إلا أن الأحداث العربية لم تؤثر فقط على الصحافة الفنية في شقها الخبري وحسب، وإنما أثر على كثير من المصادر الخبرية وخصوصًا التواصل مع نجوم الفن، إذ إن الكثير منهم أحجموا عن الظهور الإعلامي، وبعض هؤلاء طلب من وسائل الإعلام أو المواقع الالكترونية الفنية أن لا تكتب أخباراً عنهم، احتراماً لمشاعر الناس.
ونظراً لتباين مواقف الشخصيات الفنية خلال فترة اندلاع الثورات بين مؤيد ومعارض، ومن التزم الصمت، طرح سؤال على بعض الفنانين السوريين عما إذا شكلت الصحافة الفنية ما يسمى بـ”الإزعاج” لبعض الفنانين بإقحام أرائهم السياسية أثناء الحوار معهم بالشأن الفني؟ أم أن الفنان ومن وجهة نظر أنه “شخصية عامة”، فمن واجبه أن يقول رأيه بالحدث العام كونه يشكل قدوة للكثيرين، بغض النظر ما اذا كان هذا الرأي سيندرج تحت ما يسمى بـ “قوائم العار” أو “قوائم الشرف”.
تحدثت الفنانة السورية، لورا أبو أسعد، ورأت أن الإشكالية الموجودة هو أن الفنان السوري غير معتاد على التحدث وإبداء أرائه السياسية كما في مصر وتونس أو حتى لبنان، وهناك بعض الدول التي شهدت التعددية والديمقراطية من خلال قوانين حرية الإعلام، لذا شكل تعبير الفنان عن رأيه حدثاً كبيراً وأصبح يكلفه الكثير، على الرغم من أن الفنان مثل باقي الناس يجب عليه قول رأيه أن رغب بذلك، استناداً إلى حريته الشخصية، لكن الأهم أن لا يتعرض للحساب والمحاكمة نتيجة قول رأي معين مهما كان هذا الرأي، وأشارت إلى ضرورة التخلص من سؤال “مع أم ضد” لأنه يؤدي إلى انقسام، وكل الناس مع بلدها بالنهاية وكل ما يريده الفنان هو إبداء بعض الملاحظات التي تصب في صالح البلد.
ولفتت لورا إلى أهمية أن يركز الفنان على الجانب الإنساني، وكان مطلوبًا منه في هذه المرحلة أن يهتم بالقضايا الإنسانية، وإيصال المساعدات للناس لنقل صورة ما عن الفنان السوري، إلا أن الحدث السوري فاجأ الجميع وقُدِم كالصفعة، فلم يعرف كل الناس كيفية التصرف لا على مستوى الأفراد ولا الجماعات والنقابات، واعتبرت أن من حق الفنان إبداء رأيه خصوصًا إذا دعا لنبذ العنف والطائفية.
من جهته، انتقد الفنان السوري، غسان مسعود، الإعلام في هذه المرحلة واعتبره مع بالغ الأسف، كيف ما ينظر إليه، ملغوماً بشكل أو بآخر، مشيراً إلى أن الإعلام ربما حُمِّل الفنان أكثر مما يحمل أو أكثر مما هو مهيأ له بالمعنى السياسي.
واعتبر المخرج السوري، جود سعيد، أن الصحافة كانت قاسية بعض الشيء مع الكثيرين سواء المرئية منها أو المكتوبة، معتبراً بأن الفنان مواطن قبل أي شي، وبالتالي فهو معني بالحدث في بلاده، وله الحق كباقي الناس،في أن يبدي رأيه حتى لو خالف الكثيرين، أو أن يلتزم الصمت، مشيراً إلى أن دور الفنان الرئيسي هو أن يبقى شاهداً على الحدث، يقولها من واقع مهنته ويستطيع أن يعتزل الرأي لمجرد أنه يرفض كل ما يحدث،،مشيراً إلى أن جزء من مهمة الصحافي هو أن يأخذ برأي المشاهير من الناس.
واختلف المخرج، أسامة محمد، معه وقال : “الفنان إنسان على الأغلب، وعندما يصبح القتل والاعتقال والتعذيب والعبودية سؤالاً يومياً فإن الزمن هذا يكشف عن الضحالة الانسانية في الفنان الأخرس، هذا إذا استثنينا سطوة الخوف وعضلاته النفسية، أو لا سمح الله العمى الرؤيوي والمالاة بالجملة، أي موالاة كل ما ينطق به القاتل، موالاة فكرة الاستقرار، وموالاة القتل من أجل الاستقرار في نفس الوقت.
وأشار محمد بأن اللحظة أيضاً تطرح أسئلة كثيرة على جدوى الأدوات وضرورة تجديدها عندنا نحن الذين وقفنا بشكل أو بآخر مع حق السوريين بالتظاهر والحرية والرأي والحياة وتجديد الحياة نحو إنسانيتها وعدالتها وإبداعها.
واعتبر محمد أن الصحافيون بمثابة الأوكسجين الأساس في هذا وذاك، وهم أيضاً معنيون بتجديد أدواتهم وأفكارهم سواء بالتواصل أو بفتح فضاءات جديدة للفنانين ليفصحوا عن حقيقتهم.
وتسائل المخرج أسامة ، أين أنت؟ أيها المتخاذل؟ تكلم.. هل تعتقد أن عملك ينتهي هنا؟ لما التكاسل عن إبداع أسئلة وملفات تتيح للآخر التعبير وتترك له مكانًا لمخيلته وأفكاره وإضافاته في حركة الحرية.
وأشاد محمد بدور بعض الصحافيين في إبداع تيمات تتسع للجميع وتفتح الصفحة أمام الفنان بدلاً من لومه وإصدار أوامر له، كسلسلة المقابلات التي أجراها راشد عيسى لاحقاً مع عدد من الفنانين والمثقفين، مثال على التعاون الذي يتمناه الفنان ويبحث عن جدوى إنسانيته،،معتبراً أن من حق الصحفي أن يسأل ما يريد، وان يسأل نفسه قبل فنحن بحاجة له.
وأكد الفنان، جرجس جبارة، أن الفنان لا ينفصل من كونه مواطنًا، مشيراً إلى أنه يملك رأياً خاصاً وليس بالضرورة أن يكون سليماً، مشيراً إلى أن الصحافي من حقه أن يسأل ما يريد من الفنان وأن يترك للفنان حرية الإختيار في أن يجيب أو لا، لأن دور الصحافة هو السؤال والبحث عن الإجابات، معتبراً بأن الصحافة تكون مزعجة فقط عندما تجبر الفنان على إجابة ما.
واعتبر جبارة بأن كون الفنان شخصية عامة هذا لا يعني أن يكون رأيه سليماً مئة بالمئة، وهناك الكثير من الفنانين لا يفهمون بالسياسة وليس لهم أي علاقة بالموضوع، وأنه يتكلم من وجهة نظر أنه يحب هذا الوطن والشعب، وحريص على أن لا يمس بأذى حتى من أقرب الناس إليه.
واعتبر جبارة بأن الفنان السوري شخصية عامة ومحبوبة ومؤثرة بالناس، وله الحق بالتعبير عن الأزمة السياسية أو الاقتصادية، معتبراً بأنه من المعيب أن يبقى رأيه أسير الأدراج وأن لا يبوح به خصوصًا وأن رأيه يدعو لسلامة الوطن والشعب.
وأشار جبارة إلى أن الفنان لا يتحدث بطريقة سياسية وأنه شخصياً لا يهتم للأحزاب وأنه غير منتمي لأي منها، وأنه بعيد كلياً عن لعبة الأحزاب، واعتبر أن من حق الفنان أن يطرح وجهة نظر الحزب الذي ينتمي إليه لو كان متحزباً.
واعتبر الفنان السوري، اندريه سكاف، بأن قلة من الفنانين تحب التعاطي بالسياسية، وهي اختصاص، معتبراً بأن الفنان من واجبه تسليط الضوء على الأمراض الاجتماعية ونقد تركيبة الدولة بشكل فني من خلال الأعمال، لافتاً إلى أن المحلل السياسي هو الأحق والأجدر بالتحليل، مشيراً إلى أن دافع الفنان الرئيسي في التحليل السياسي هو حب الوطن والشعب.
وأشار أندريه بأن المشكلة التي تواجه الفنان في المرحلة الحالية هو وجود المسلحين، مما تجعل من الفنان أن لا يعبر عن رأيه بوضوح، فأصبح يتحايل على الصحافيين بحيث لا يعبر عن رأيه الحقيقي ويتكلم بشكل محير، لافتاً إلى أن الفنان يتعرض للنقد والتصنيف ضمن خانات العار من الطرفين، على الرغم من أن حب البلد بقلبه موجود منذ الصغر.
وأضاف سكاف بأهمية أن يتعاون الفنان مع المهندس، ومع الطبيب، ومع باقي مكونات المجتمع، وأن ترتفع الإحساس بالمواطنة والوطنية عند الجميع كي يتم تفادي الأزمة الحالية.
وقال المخرج، زهير قنوع، أن بعض الفنانين يحبون أن يشاركوا أرائهم السياسية، والبعض الأخر لا يحب، وأن الفنان لا يتجزأ عن المجتمع، أما واجبه الأساسي يبقى عمله وليس رأيه السياسي، منوهاً إلى أن الفنان الذي يفهم بالسياسة عليه أن لا يتردد في إبداء رأيه أما الذي لا يتعاطاها فمن واجبه الصمت، مشيراً إلى أن السياسة هي فقط من اختصاص السياسيين، مضيفاً بأنه شخصياً لم يواجه أي إزعاج من قبل الصحافة.
واستغربت الفنانة السورية نسرين طافش بعض التصريحات السياسية التي تصدر على لسانها، وقالت بأنها لم تقدم أي تصريح سياسي مسبقاً ولن يحدث ذلك، فالسياسة شأن السياسيين وهي لا تجيد التكلم فيها، وأنها تتكلم بالمواضيع الإنسانية وعن المحبة والتسامح، وعن الفن ورسالته النبيلة فقط.
وفي الختام نعتبر إن كتابة خبر أو مقال فني حول قضايا الجمال وإشاعة الإبداع، هو بلا ريب، أفضلُ بما لا يقاس من التورط في دوامة زيف “الدعاية السياسية للإعلام” وأن التحليق بالقراء في فضاءات الفنون الإنسانية، حيث المحبة تلم الجميع، خيرٌ من أخبار العنف والقتل والكراهية.