كتب: جهاد الرنتيسي/
تحمل تصريحات رئيس فيلق القدس الايراني قاسم سليماني ، حول قدرة بلاده على تجيير التفاعلات الداخلية الاردنية ، جرعة زائدة من الكشف ، عن التفكير الباطني، الذي لا يرى في عمان وشقيقاتها العربيات ، سوى مجال حيوي ، لتصدير الثورة ، التي سرقها الخميني من شركائه قبل عقود ، وهي بالمناسبة فكرة باهتة ، فقدت بريق الشعارات الاولى ، و اكل الدهر عليها وشرب .
فلم يعد النموذج الثيوقراطي الايراني ، المرفوض من قبل شرائح وفئات ايرانية ، تتسع يوما بعد يوم ، طموحا لشعوب تبحث عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وبناء الدول العصرية ، وتكريس دولة القانون ، حتى لو رفع ملالي شعارات العداء للولايات المتحدة واسرائيل .
كما احدث هوس نظام الملالي ، في البحث عن النفوذ الاقليمي ، طيلة السنوات الماضية ، حالة من استفزاز الشعور الوطني والقومي ، بين ابناء شعوب الدول المستهدفة .
براغماتية النظام الايراني ، والبعد الاستخدامي المكشوف ، في علاقته مع حلفائه ، دولا ومنظمات ، ساهم ايضا في افقاد فلسفة الملالي مصداقيتها .
عند محاولة اسقاطها ، على الوضع الداخلي الاردني ، تصطدم فكرة تصدير الثورة ، التي استحضرتها اشارات سليماني ، ببيئة سياسية طاردة .
فمن ناحيتها ، لم تخف الحركة الاسلامية الاردنية يوما ، حساسيتها من المخفي في السلوك السياسي الايراني ، وان تقاربت مع طهران الملالي ، خلال تسعينيات القرن الماضي ، وتحولت هذه الحساسية الى خلاف معلن ، بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام الاسد ، وقيام ايران بدور قامع للاحتجاجات.
ويظهر اليسار الاردني ، موقفا اصيلا في نظرته للنظام الثيوقراطي الديني ، الذي قمع منذ استيلائه على السلطة ، كل مظاهر المدنية ، وفاقمت طريقة ادارته للمجتمع ، الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ايران .
القوى القومية الاردنية ، لا تبتعد عن هذه المناخات ، لا سيما وانها الاكثر حساسية في التقاط شوفينية نظام الملالي ، ومحاولاته الهيمنة على قرار جيرانه العرب ، وتتبيعهم له ، بالتهديد والوعيد ، اذا لم ينفع الترغيب .
الـ ” ايرانوفوبيا ” التي تحدث عنها سليماني ، بلهجة لا تخلو من الاستخفاف ، ووضع وصفات للتخلص منها ، توطئة لايجاد موطئ قدم لنظام الملالي في الاردن ، لم تأت من فراغ ، فهي في حال وجودها ، نتيجة طبيعية لتراكمات السياسة الايرانية في المنطقة ، التي يتابعها رجل الشارع الاردني .
ايران عامل تفتيت وقتل وتأزيم في العراق ، من وجهة نظر الاردنيين ، والاستخدام الايراني لظواهر ما كان يعرف بالمقاومة في فلسطين ولبنان ليس خافيا على الاردني المعروف بادمانه السياسة ، وتعارض الحسابات الايرانية مع ارادة الشعب السوري حاضر بقوة في التفكير السياسي الاردني ، ولا يخلو الامر من حساسيات ، تثيرها محاولات الملالي مصادرة القرار السياسي في دول الخليج.
سلوك الملالي السياسي، الذي تندرج في سياقه تصريحات سليماني الاخيرة ـ تضمنت ايضا تاكيدات على النفوذ الايراني في العراق ولبنان ـ يعزز هذه النظرة بدلا من السعي لتبديدها ، اذا كانت هناك رغبة ايرانية حقيقية في التخلص من عقدة “الايرانوفوبيا” الاردنية .
هذه المعطيات تترك قناعة بان الاردن على اجندة البحث الايراني عن مزيد من بؤر التوتر وتصدير الازمات اثر تراجع الحضور الايراني في البؤر العراقية واللبنانية والفلسطينية بفعل التوازنات الاقليمية الجديدة .
مواجهة الخطر الايراني ، الذي تزايد مع وصوله الى حدود الاردن الشمالية والشرقية ، من القواسم المشتركة التي تلتقي عندها مكونات المجتمع الاردني ، في المدن و القرى والبوادي والمخيمات ، وتجمع على هذا الموقف الواجهات الرسمية والشعبية ، وقادة الحراك الشعبي الاردني ، الذين تحدث عنهم سليماني ، باعتبارهم مجاميع يتم جلبها الى ايران ، لتجنيدها هناك واعادتها الى الاردن ، وهم ليسوا كذلك بالتأكيد ، لذلك هم الاولى بتوجيه ردود واضحة ، يفهمها ملالي ايران جيدا .