في الأزمان الماضية، كان أي حديث عن اي تجمّع ولو ثقافي للمعلمين يعتبر من المحرمات. فالحكومات كانت مضبوعة من التنظيمات الحزبية التي تستقطب المعلمين الذين يزرعون المعرفة في أدمغة النشء الجديد من أبنائنا وبناتنا… واذا ما اكتُشف معلّم منخرط في حزب غير مرضٍ عنه، تجري استتابته. واذا استمر بتحجير رأسه يفصل أو ينقل الى وظيفة ادارية بعيدة عن التماس مع الطلاب.
ولم يكن الدارسون في بلاد البعث والدول الاشتراكية بمأمن من المراقبة والتحقيق. لولا الربيع الأردني المسالم قياسا للربيع العربي لبقيت نقابة المعلمين وعدا على فم مسؤول. أو صدر قانونها ممسوخا لا يفي بالحاجات الاساسية للمعلم، التي تجاهلتها الحكومات السابقة، امتدادا لخوفها من تنظيم ضخم يزيد أعضاؤه عن ربع مليون رجل وامرأة من حملة الشهادات الجامعية. أهم ما في قانون نقابتهم هو الزاميّة العضويّة. فهي تجعل من جميع المعلمين والمعلمات مشتركين بصندوق النقابة. ولو افترضنا أن الاشتراك الشهري هو ديناران كما في بعض النقابات الأخرى وتحسم من راتبه مباشرة، فإن واردات الصندوق حوالي نصف مليون دينار شهريا. واذا افترضنا أن مساهمة المعلم في صندوق تقاعد النقابة عشرة دنانير شهريا أسوة ببعض النقابات، فإن واردات الصندوق ستبلغ مليونين ونصف المليون دينار شهريا. وقريبا منه صندوق الضمان الاجتماعي الذي يقدم مساعدة فوريّة لأسرة المتوفى. وصندوق التأمين الصحي الذي يريح الحكومة من ربع مليون مشترك، فإن واردات نقابة المعلمين ستبلغ حوالي خمسة ملايين دينار شهريا وهو رقم فلكي لم تحلم به نقابات أخرى تفصل المئات من أعضائها بين حين واخر بسبب التخلف عن دفع الاشتراك.
هذه الأموال التي ستحصدها نقابة المعلمين وهي ستستثمرها في مشاريع ربحيّة، قادرة على تخفيف ان لم يكن انهاء مشاكل المعلمين مع الحكومة وهي ستسهم في انجاز مشاريع اقتصادية غير قابلة لعبث الديجتاليين الذين باعوا واشتروا بمقدرات الوطن. فأموال النقابات والنوادي والجمعيات المنقولة وغير المنقولة هي أموال عامة مثلها مثل أموال الخزينة الأردنية.. سيقيم المعلمون اسكانا لأسرهم في جميع محافظات وألويات المملكة. وسينفقون على تعليم أولادهم. وسيتقاضى المعلم أو المعلمة تقاعدا من النقابة بالأضافة الى تقاعدهم المدني.. وسيحظون برعاية صحية خاصة بدلا من الانتظار في مستشفيات وعيادات الحكومة. وربما -وليس هذا على الله ببعيد- تقوم نقابة المعلمين بشراء احدى الشركات التي باعها الديجتاليون بتراب المصار.. وفوق كل هذا ستكون هناك لجنة تحقيق لمعاقبة المسيئين للعملية التربوية.. ولجنة لرفع سويّة التربية والتعليم في الأردن بحيث لا تتكرر مصيبة مدرسة غور فيفا، التي لم ينجح أي من طلابها في الثانوية العامة لمدة ثلاث سنوات متتالية.
الدستور