سمحت وزارة الخارجية البريطانية بنشر التقارير التي تعود بتاريخها الى عام 1975، وكان من ضمن ذلك ما بعثته السفارة في عمان والتي رُفعت السرية عنها.
ومن ضمن تلك الوثائق، نُـشرت البرقيات الدبلوماسية التي بعث بها آنذاك السفير البريطاني «هيو غلن كيرن بالفور بول» يتحدث بها عن الاوضاع السياسية والاجتماعية في الاردن خلال فترة عمله في السبعينات من القرن الماضي.
وقد جاء في تقريره المؤرخ 12/9/1975 والموجه الى اللورد كالاهان رئيس الوزراء تحليلٌ دقيقٌ لما شاهده لدى لقاءاته مع المسؤولين على اختلاف مواقعهم.
وقد استغربت النظرة الإستعلائية الفوقية التي تتجسد في وصفه للشخصيات التي قابلها وتحدث معها في عمان متهكماً ومنتقداً.
ولم يكن بلفور بول أول سفير يأتي الى عمان ويغادرها ساخطاً بدل أن يكون محباً لهذا الشعب ولهذه المملكة.
ولمعالجة هذه السلبية التي تكررت مع أكثر من سفير معتمد في عمان، إقترح بعض الزملاء قبل سنوات تطبيق التجربة الاسرائيلية في التعامل مع السلك الدبلوماسي ومع ممثلي الصحافة الاجنبية المقيمين في القدس وتل أبيب.وهي تتلخص باصطفاء تسعين عائلة من طبقة رجال الاعمال والمفكرين والمثقفين والاعلاميين والموسرين الذين ترتب لهم إدارات المراسم والإعلام اللقاءات الاولى مع الوافدين الجدد، وبعد ذلك تقوم كل عائلة بدورها في نسج عـُرى الصداقة والمودة والضيافة مع المبعوث الدبلوماسي أو الاعلامي المقيم حتى يشعر انه بين أهله وقومه، وتكون النتيجة الطبيعية أن تتماهى قناعاته مع آرائهم وافكارهم, ولا يغادر بعد سنوات إلا والوطن الثاني متجذرٌ في الوجدان والضمير والقناعات.
لقد عبّـر عدد من السفراء السابقين من الاوروبيين أومن امريكا اللاتينية عن شعورهم بالتهميش مقارنة مع سَـفيريْـن فقط في عمان يحظيان بكل العناية والرعاية والدعوات الشخصية المسائية على أعلى المستويات.
لقد حاول من قاموا على إنشاء النادي الدبلوماسي قبل أعوام، أن يملأوا ذلك الفراغ, وأن يستقطبوا السفراء والإعلاميين الاجانب ليتعرفوا على حقيقة هذا الشعب بأصالته ونبله وإرثه الحضاري ووجهات نظره السياسية وقناعاته المبدئية. ولكن الأنانية الحاسدة منعت عن النادي الدعم المعنوي الضروري، كما حجبت عنه التمويل المالي الأساسي، وتقزمت به الامور حتى لم يجد النادي أي مبنى ليلتقي به أعضاؤه أو ليعقد اجتماعاته أو ليستضيف في جنباته متحدثين أو ليدعو محاضرين.
ولدي قناعةٌ تصل درجة اليقين، أننا لو طبقنا التجربة الأسرائيلية، أو منحنا دفعةً من الدعم التشجيعي للنادي الدبلوماسى، لما رأينا بلفور بول يكتب ما كتب, ولما رأينا الصحافة العالمية « على ركبة ونص» تتصيد كل ما هو سلبي، لتضخمه الف مرة، ولترسم الصورة السلبية عن الوطن.
وكما في كل المجتمعات، وكما في جميع الكتائب العسكرية، يوجد «قناصٌ» بين الإعلاميين والسفراء، فلنحاول أن يكون ذلك القناص معنا بدلاً من أن يكون ضدنا.