إصلاح نيوز- مروة بني هذيل/
تنتظر بعض الأسر نهاية الشهر على أحر من الجمر، كيف لا، والجيوب خاوية، والأرصدة قاع صفصف، وتزيد من لوعة الشوق الى راتب نهاية الشهر الحاجة إلى ابتياع متطلبات الأسرة الأساسية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها.
وتجهد كثير من الأسر لتوفير الحاجات الأساسية للعائلة مما لا يمكن الاستغناء عنه، فضلا عن التصدي لأي طارئ يعترض أفراد الأسرة؛ كمهاجمة الأمراض وما يتطلبه العلاج من مصاريف.
وكيف يتأتى كل ذلك بدون المال؟، فما إن يتسلم رب الأسرة راتبه حتى يوزعه على كل من استدان منه، فيصحو على بضعة دنانير، لا تكفيه، إلا لأيام قليلة ليعود إلى الاستدانة مرة أخرى، فيمر بالكابوس المرعب ذاته في كل شهر!.
ميزانية الأسرة خطة قد تسير بدون تخطيط، أو تتقلب وتتحرك بحسب الظروف، وقد تتم بأطر منطقية، والأسر الناجحة هي تلك التي تسعى إلى تخطيط ميزانيتها بطريقة صحيحة، واضعة نصب أعينها، الماضي المتمثل في الديون والأقساط واللحظة الراهنة المتمثلة في الاحتياجات اليومية والمستقبل الذي قد يأتي متمثلاً في السكن كمالك لبيت يدخر للأيام.
تحكي أم أحمد قصتها مع الميزانية، فتقول “نحن الآن في بداية حياتنا الزوجية.. ونتطلع إلى شراء مسكن يؤوينا.. وقد فكرنا في تنظيم الميزانية.. وأنا الآن في مرحلة التجربة”.
وتتساءل وهي تتلمس المستقبل وما يمكن أن يحصل تلافيا لأي مشكلة، عن مدى احتمالية نجاحها في توفير مبلغ من المال مما يعطيها إياه زوجها.
وتشاركها في هذه المشكلة أم عبدالله؛ حيث تقول “عندي رغبة شديدة في اتباع خطة للميزانية؛ فمنزلي يحتاج إلى ترميم وتعديل لبعض الأثاث، ولكن تأتي المفاجآت الطارئة؛ كالعزائم وهدايا الزفاف، وغيرها من المناسبات التي تستهلك منا مبالغ كبيرة بعض الشيء”.
وتكمل أم أحمد الحديث عن معاناتها مع الميزانية، مبينة أن الحياة الأسرية تتعرض لضغط قوي من الالتزامات، فضلاً عن الخسارة الفادحة التي تعرّض لها الكثير بسبب الأسهم، ولا ترى حلاً أفضل من تنظيم الميزانية، لعلها توفر شيئاً من الاستقرار النفسي لجميع أفراد الأسرة.
أما مأساة أم زيد في تنظيم الميزانية، فتكمن في هوسها في الشراء؛ حيث تقول “إن خزائن بيتي امتلأت بالأدوات الجديدة التي لم نستخدمها بعد، وأحياناً أحاول توفير مبلغ بسيط من راتبي، وما إن أذهب إلى السوق حتى أقضي تماما على كل ما أملك من مال”.
وتختلف مشكلة علياء عن غيرها، ولا تتفق مع النهج في حصر الميزانية؛ فزوجها وأبناؤها يعشقون أكل المطاعم، ولا يفضلون تناول الطعام بغيرها، مما ولّد لديهم مشاكل وأزمات مادية في محيط الأسرة، التي تجد التبرير لذلك بأن لا يحرم الإنسان نفسه من شيء يشتهيه.
وترى فاطمة أن هناك مأساة أخرى تهدد الميزانية لتجعلها خاوية على عروشها، فتقول “تستهلكنا الديون؛ فإيجار المنزل وأقساط السيارة من أهم الأمور التي تثقل كاهلنا، فتمنعنا من التوفير أو حتى التنظيم”.
ويذكر أبو محمد بعض الأشياء التي تستنزف الميزانية من مصاريف للخادمة والسائق ومدارس الأبناء الخاصة والملابس غالية الثمن؛ فيقول “باختصار عالم الرفاهية الذي نعشق الخوض فيه.. من أهم الأمور التي دمرت وضعنا المادي”.
ويتخوف حسين من الزواج في الإطار نفسه، وهو عدم ثقته فيما تحمله الأيام من ظروف صعبة وطارئة تحول دون عدم قدرته على توفير أي مبلغ لاستقرار أسرته في المستقبل.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد الفاعوري، يؤكد ضرورة تحديد ميزانية مالية لوضع الأسرة؛ فظروف الحياة الاجتماعية تتقلب مع مرور الوقت، لذلك يجب على كل فرد من أفراد الأسرة تخصيص مبلغ معين من المال للظروف المفاجئة.
“المادة لها دور مهم في حياة الإنسان، وإذا ما استغلت بشكل جيد ومدروس، فستتحول من وسيلة إلى غاية يسعى الأفراد إلى كسبها من أجل وجودها فقط”، وفق الفاعوري، الذي يشير إلى أن المسألة ليست بخلاً، بل هي إعادة ترتيب للأمور المادية بدون تبذير وتقشف، فالموضوع تحديدا موجه لمن يعانون من مشاكل مادية، في ضرورة وعيهم التام، وبحثهم عن حلول تخلصهم من ضيق الوضع المادي في نهاية الشهر.
“إذا فقد الإنسان ما يحتاجه من مال في حياته، سيؤثر ذلك على معنوياته الإنسانية، ويشعر بأنه عاجز وغير قادر على تلبية ضروريات حياته، خصوصا إذا كانت تقع تحت مسؤوليته مجموعة من الأفراد”، هذا ما يوضحه اختصاصي علم النفس الدكتور جمال الخطيب.
ويشدد الخطيب على أهمية مراعاة الوضع النفسي في الأسرة؛ لأن الوضع المادي ومشكلة آخر الشهر في الأسرة مرتبطان بكل فرد، ولا بد من الأسرة أن يكون لديها بعد نظر، فيما سيحدث لها في المستقبل، والعمل على وضع طريقة لترشيد الاستهلاك بهدف تجنب المساوئ النفسية التي ستحدث في حال وجود الفوضى والخسارة المادية، متابعا “إن الالتزام الدقيق بطريقة الادخار ومراجعة الأخطاء ومحاولة تجنبها، أساس النجاح؛ فالخطأ ليس في الطريقة بل في التطبيق”.