“ليست للكفن جيوب ” عبارة قالها يوما ما الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك, لكنها اصبحت اليوم حجة عليه وهو الذي يحاكم وولداه بقضايا الاثراء غير المشروع بعد ان لم يكتف “الريس” بعبارته بل ركب للكفن جيوبا وازارا وسحابات وجرارات.
لماذا لا يتعظ الحكام والمسؤولون العرب? الا يعرفون ان “عين الانسان لا يملؤها الا التراب ” من كان يعتقد بان احدهم سيكون لديه 130 مليار دولار “تحت الفرشة” انها مهزلة, وطمع لا يستوعبه العقل البشري, ما حاجة الانسان وعائلته الى مئة مليار او سبعين او حتى عشرة او خمسة مليارات, فهل هو حقيقة بحاجتها, هل هو قادر على التصرف بها او حتى عدها او حملها في اي لحظة ? ما حاجته اليها ما دام يستعبد ملايين الرؤوس من شعبه ويعتلي ظهورهم لسنوات طويلة?
نسمع بالغرب عن محاكمة شيراك وادانته بتهمة اساءة استغلال الاموال العامة اثناء رئاسته بلدية باريس بين عامي 1977 و 1995 وهي اول ادانة لرئيس دولة فرنسية منذ المارشال فيليب بيتان الذي تعاون مع النازيين عام ,1945 لكن تهمة شيراك تخجل من مقارنتها بما سرق موظف من الدرجة الرابعة, ومع ذلك فقد حوكم عدة سنوات الى ان ادين.
وحتى في الكيان الصهيوني نسمع عن فساد بحجم تذكرة طيران او فستان للمدام او قبول هدية او محاباة صديق بسهرة, وكل هذا يجر الى المحاكمة او حتى السجن من دون ان ينتفض احد ليدافع عن مسؤول لانه ابن حزبه او منطقته, فالكل امام القانون سواء ولا حصانة لفاسد.
هل يستطيع حاكم مخلوع ان يواجه شعبه اليوم في الشارع ? او يحاور طلبة احدى الجامعات في قاعة مغلقة ? ما هو شعوره لو عرف ورأى وسمع كل ما نشر وقيل عنه في الشوارع والبيوت وامام الشاشات والميكرفونات? هل كان اصلا يعرف حقيقة موقف الشعب منه ? هل كان يكتفي بتقارير الامن التي تؤكد له دائما ان “الامن مستتب يا فندم”.
انها مرحلة ليست سهلة, لكنها مرحلة الحقيقة المرة, التي بات على الحكام ان يواجهوا فيها شعوبهم, ليس بالعصا بل بالاقناع لا بالاخضاع, انها مرحلة تغلبت فيها الشعوب على لحظات ضعفها واندماجها في لعبة “القطيع”, انها عودة الضمير والكرامة وحقوق الانسان.
nghishano@yahoo.com