هناك قول شهير لرجل مسطول جدا جدا، يستخدم وكأنه حكمة صينية عميقة يقول فيها:
«أعظم خمسة أشياء في الدنيا هم ثلاثة: الصحة والستر!».
بالطبع العبارة لا تحتاج إلى تفسير عميق، فأي طفل يستطيع، بمعرفة علم الحساب، أن يدرك التناقض بين «الأشياء الخمسة» و«الثلاثة» و«الاثنين» الموجودة في هذه الكلمات المسطولة!
المنطق الذي يحكم هذه العبارة هو التناقض الحاد بين المقدمات والنتائج.
هذا الأمر دائما يصيبني بالحيرة المفرطة حينما أقوم بتقسيم أي مسألة من ناحية مقدماتها ونتائجها.
دائما في العالم العربي المقدمات ترفع شعارات مخالفة تماما للتطبيق العملي على أرض الواقع.
نرفع شعار الإصلاح كمقدمة، ولكن النتيجة هي فساد، نبدأ بالاتجاه الثوري وننتهي بالانقلاب العسكري، نتحدث في أول الأمر عن وحدة عربية وننتهي بغزو أراضي الشقيق، نتقدم بمساعدات اقتصادية نقول: إنها غير مشروطة وينتهي الأمر بإملاءات ضد سيادة الوطن.
هذا التناقض المذهل بين البدايات والنهايات، بين المقدمات التي تؤدي إلى نهايات غير منطقية، هو آفة العقل السياسي العربي التي نعاني منها بشدة هذه الأيام.
يقول السياسي الشهير ونستون تشرشل حول هذا النمط من التفكير: «أصاب بالغثيان من الذين ينتهكون عرض المبادئ من خلال شعارات فارغة لا وجود لها على أرض الواقع».
إن العالم العربي الآن بحاجة إلى من يصارحه بالحقيقة مهما كانت مؤلمة، ويطرح الخطط والتدابير المقبلة مهما كانت قاسية، بدلا من منطق عدم الاعتراف بالأزمات، وتجاهل التصدي لها في بداياتها حتى تنفجر بقوة في وجوهنا جميعا.
نحن بحاجة ماسة اليوم إلى من يستخدم منطقا واضحا، ومنهجا شفافا، وخططا علنية، ومصارحة دون قيود من أجل أن نتخطى عشرات الأزمات التي تواجه شعوبنا الصابرة.
أما محاولات تخدير عقول الجماهير بالعبارات المعسولة والتصدي للمشكلات بمنطق التأجيل والتسكين والتجاهل، فإن ذلك يحولنا جميعا إلى أمة داخل غرفة إنعاش في حالة من الغيبوبة اللذيذة، بعد أن أعطونا حقنة مخدرة تتلاعب بعقولنا، مثل ذلك المسطول الذي تحدث عن أجمل خمسة أشياء!