يعود صندوق النقد الدولى مرة أخرى إلى مصر.. فى زيارة ظاهرها منح مصر قرضا بقيمة 3،2 مليار دولار، ولكن باطنها شروط لا يتخلى الصندوق أبدا عنها، ولم يتنازل عنها منذ تأسيسه فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، وخاصة مع الدول النامية.
التصريحات الوردية التى سبقت الزيارة من مسؤولى الصندوق الدولى، لا تعنى أنه سيتبع سياسات جديدة إنسانية من أجل عيون دول الربيع العربى، ولا ينبغى أن تخدع أحدا، لأن تجربة مصر منذ بدء التعاون مع الصندوق ،كانت فى غاية السوء، ولم يدفع ثمنها سوى قطاعات عريضة من الفقراء فى مصر. فالصندوق لا يعرف ثورة، وظروفا اقتصادية تمر بها دولة مثل مصر، أو تونس، أو حتى اليمن، فلديه برامجه واستراتيجيته الثابتة، التى لاتتغير بشعارات براقة، مثل سياسة التثبيت الاقتصادى، أو الإصلاح وإعادة الهيكلة الاقتصادية بما يتماشى وسياسات العولمة المتوحشة.
مصر خاضت مع الصندوق 4 تجارب فى أعوام 77 و87 و91 و96، فرض خلالها شروطه المجحفة، المعروفة من أجل حفنة دولارات، وكانت المحصلة آثارا اجتماعية واقتصادية خطيرة، أدت إلى زيادة نسب الفقر، وازدياد الهوة الاجتماعية بين طبقات المجتمع، رغم مايقال فى كل مرة، من أن الصندوق الدولى يسعى لوضع روشتة إصلاح اقتصادى لمصر، ثم يتضح فى الأخير، أنها روشتة قتل للغالبية من الشرائح الاجتماعية الفقيرة فى مصر، فالصندوق يشترط من أجل الإصلاح، تحرير العملة المحلية، وتعويم الجنيه المصرى، ورفع الدعم عن السلع الحيوية والضرورية للفقراء بتحرير الأسعار، وتجميد الأجور من خلال توقف الحكومة عن تعيين الداخلين الجدد لسوق العمل.
هذه الشروط والسياسات التى خضعت لها الحكومة منذ عام 77 أدت فى النهاية إلى الانفجار الاجتماعى الذى كانت جذوته المشتعلة ثورة 25 يناير، إضافة إلى ما رافق تلك السياسات من فساد اقتصادى واستبداد سياسى.
والسؤال الآن.. هل تعيد تلك الزيارة المشؤومة الحكاية من البداية فى سنوات ماقبل يناير؟ وهل مصر مضطرة بالفعل فى ظل تلك الظروف التى تمر بها إلى اللجوء إلى الصندوق بشروطه، من أجل 3 مليارات دولار يمكن تدبيرها من الموارد المهدرة؟
السؤال الأهم، هل ستوافق «حكومة الإنقاذ» التى يقودها الدكتور الجنزورى على شروط الصندوق، وتقديم برنامج يتوافق مع الصندوق لعدم تعثر المفاوضات، كما اشترط مسؤولوه؟.
زيارة صندوق النقد هى زيارة مشؤومة، وغير مرغوب فيها..
ولا أهلا ولا سهلا بها.