لم تنف الادارة الامريكية حتى الآن التقارير التي تقول انها اوفدت 12 الف جندي الى مالطا كخطوة اولية للانتقال الى ليبيا في محاولة للسيطرة على الاوضاع المتدهورة فيها، كما ان الفضائيات العربية قللت من اهتمامها، وتغطياتها بالتالي، لهذه الاوضاع، بعد نجاح مهمة حلف الناتو في الاطاحة بالنظام السابق وسحل رئيسه، وتدمير آخر معقلين له، اي مدينتي سرت وبني الوليد فوق رؤوس ساكنيهما.
المعلومات القادمة من ليبيا حسب العديد من التقارير الاخبارية المنشورة في صحف غربية تقول ان المقاومة للمجلس الوطني الانتقالي تلقى تأييدا متزايدا في اوساط قطاع من الليبيين، كما ان سلطات رئيس المجلس السيد مصطفى عبد الجليل تتآكل بشكل متسارع مقابل تصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة وقادتها الميدانيين.
الميليشيات المسلحة تشكل الهاجس الاكبر لسكان العاصمة طرابلس خاصة، وعموم الاراضي الليبية بشكل عام، حيث بات الاهالي يخشون على حياتهم وحياة ابنائهم من هذه الظاهرة، فمعظم المدن الليبية تحولت الى غابة من البنادق، وباتت تتقاسم احياءها الميليشيات المتصارعة التي تتمثل في اربع مجموعات رئيسية ابرزها كتائب الزنتان، وكتائب المجلس العسكري لطرابلس (عبد الحكيم بلحاج)، وكتائب مصراتة، والجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه خليفة حفتر رئيس هيئة الاركان.
السيد اسامة الجويلي وزير الدفاع في حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب حدد اكثر من مرة مواعيد لسحب الاسلحة من المدن، وحل الميليشيات، واستيعاب عناصرها في الجيش ولكن هذه الوعود لم تنفذ كما لم يتم الالتزام باي من هذه المواعيد، وبقيت الفوضى الامنية على حالها.
الدول الغربية غير قلقة بالشكل المطلوب من جراء هذا الوضع، فطالما ان النفط الليبي يتدفق الى موانئها فهي سعيدة بانجازها باطاحة النظام، والفوضى لا تعنيها من قريب او بعيد، اللهم الا اذا ظهرت مقاومة مسلحة يمكن ان تهدد صناعة النفط الليبية، وتضرب الانابيب المتجهة الى موانئ التصدير.
الاحصاءات الغربية تقول ان انتاج النفط الليبي بدأ يقترب من معدلاته السابقة لتدخل حلف الناتو عسكريا، اي مليون ونصف المليون برميل يوميا، وهذا امر جيد بالنسبة للدول المستهلكة له مثل فرنسا وايطاليا والمانيا وهولندا وغيرها، لان النفط الليبي خفيف وجيد Sweet and Light، ويناسب المصافي الاوروبية التي صممت وفق خاماته التي تحتوي على البنزين الجيد المخصص كوقود للطائرات.
الشعب الليبي ثار ضد النظام السابق وايد في معظمه تدخل حلف الناتو للاطاحة به على امل ان ينعم بالامان والاستقرار، ويتمتع بعوائده النفطية التي تصل الى ستين مليار دولار سنويا، ولكن تراجع الامن، وتفاقم الصراع بين الميليشيات، ربما يؤديان الى اصابته باليأس والاحباط.
هناك تقارير غربية تقول ان ليبيا الجديدة تخضع حاليا لاستعمار من نوع آخر، فقوات الناتو ما زالت موجودة على الارض ولكن بصورة غير مباشرة، وهناك تقارير تقول ان معظم آبار النفط الليبية وموانئ تصديره تخضع لحماية هذه القوات وسيطرتها.
نحن في انتظار وصول مراقبين عرب واجانب الى ليبيا لكي يقدموا الينا صورة حقيقية عما يجري على الارض في ظل عمليات التعتيم الاعلامي. والاجابة عن العديد من الاسئلة مثل اسباب المواجهات في مدينة غريان الاسبوع الماضي، وقبلها في مدينة طرابلس، ثم ماذا يحدث في مدن الشرق الليبي والجبل الاخضر، وما هي احوال مدينة مصراتة، واهم من هذا وذاك ما هو مصير آلاف المعتقلين في سجون الميليشيات خاصة من ابناء البشرة السمراء من الليبيين المتهمين بمساندة النظام السابق والقتال تحت رايته الخضراء؟
اطاحة نظام ديكتاتوري خطوة جيدة، ولكنها قد تنقلب الى كارثة اذا اصبح البديل فوضى وانعداما امنيا، وتناحر الميليشيات، واحتلالا غربيا مقنعا او سافرا
القدس العربي.