لميس اندوني -
إصرار واشنطن, كما تبين من زيارة وفد أمريكي إلى عمان الأسبوع الماضي, أن يكون “التمثيل السكاني” في الانتخابات النيابية أساس عملية الإصلاح السياسي في الأردن محاولة مفضوحة, ومرفوضة, للدفع إلى تناحر أهلي بين المكونين الرئيسيين للمجتمع الأردني خدمة لإسرائيل.
عضوا الوفد الأمريكي, عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي جون كاري ودانييل إينوي, معروفان ليس بتأييدهما لإسرائيل فحسب, بل ومعاداتهما الشديدة, وبالأخص الثاني منهما, لجميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني, بدءا من حق الشعب الفلسطيني بقرير المصير وانتهاء بحق اللاجئين الفلسطينيين, في العودة إلى بلادهم.إصرار واشنطن, كما تبين من زيارة وفد أمريكي إلى عمان الأسبوع الماضي, أن يكون “التمثيل السكاني” في الانتخابات النيابية أساس عملية الإصلاح السياسي في الأردن محاولة مفضوحة, ومرفوضة, للدفع إلى تناحر أهلي بين المكونين الرئيسيين للمجتمع الأردني خدمة لإسرائيل.
أما التركيز على “معالجة” الحكومة الأردنية الجنسية الأردنية وضع حملة البطاقة الخضراء, وعددهم 800.000 ألف, (أي تجنيسهم) فيندرج في خانة افتعال قضية ليست موجودة أصلاً, إذ ان حملة البطاقة الخضراء هم من سكان الضفة الغربية الموجودين في الأردن بصفة مؤقتة للعمل, أو الدراسة أو أسباب أخرى, ولا يمكن تصنيف وضعهم, حتى لو حاولنا الاستعانة بمخيلة خصبة, تحت خانة مجموعة تعاني من خرق لحقوق مدنية أو إنسانية, وبالتالي لا يوجد أي مبرر لربط وضعهم القانوني بأية عملية إصلاح سياسية كانت.
من الواضح أن مخيلة واشنطن الخصبة لا تتعلق بحرصها على الحقوق المدنية في الأردن بل بالدفع بعملية توطين الفلسطينيين في المنطقة, وليس فقط في الأردن, فطلب تجنيس حملة البطاقة الخضراء يراد به إعطاء الذريعة لإسرائيل لمنعهم من العودة إلى فلسطين, وبالتالي تسهيل هدفها بتفريغ الضفة من أهلها وتهجيرهم.
يجب الإشارة هنا أن جزءا, ولكنه جزء يقع تحت بند الفوائد السياسية, من إثارة مسألة تمثيل الفلسطينيين في الأردن هو محاباة اللوبي الصهيوني لكسب أصوات الناخبين اليهود الأمريكيين لمرشح الحزب الديمقراطي, الذي ينتمي إليه كل من كاري واينوي, في الانتخابات الرئاسية القادمة.
لكن موقف الوفد الأمريكي يتعدى “الدعاية الانتخابية” لاسترضاء اللوبي الصهيوني إلى هدف سياسي أوسع; فبعد فشل جميع المحاولات الأمريكية لتقويض قرار الأمم المتحدة رقم ,194 تحاول واشنطن جعل توطين الفلسطينيين, أمرا واقعاً, من خلال استغلال عملية الإصلاح السياسي في الأردن, وتأزم الوضع السياسي والأمني في سوريا ولبنان, مع اختلاف المسألتين, لجعل توطين اللاجئين الفلسطينيين جزءا من ثمار “الربيع العربي”.
بمعنى أخر ان الإدارة الأمريكية, من خلال السناتور كاري معروف بقربه من الرئيس باراك أوباما, تريد تجيير الثورات والحراكات الشعبية العربية لصالح إسرائيل, كما تحاول مساعدة إسرائيل الخروج من أزمة, يعترف بها حتى الصهاينة الأمريكيون, من خلال تصدير هذه الأزمة إلى الأردن,وذلك بالدفع إلى إحداث شرخ مجتمعي قابل للاشتعال.
الواضح تماماً, أن زيارة الوفد الأمريكي للأردن, قبيل بدء زيارة الملك عبد الله لواشنطن, هي مؤشر على عملية ابتزاز مكشوفة, إذ أن السناتور كاري يرأس لجنة الشؤون الخارجية بينما يقود السيناتور لجنة إقرار المساعدات المالية في مجلس الشيوخ الأمريكي, أي باستطاعتهما معارضة, أو حتى إيقاف أي مشروع دعم مالي تتقدم به الإدارة الأمريكية للأردن.
المطلوب رسمياً أن لا ترضخ القيادة السياسية لمثل هذا الابتزاز, والأهم من هذا أن لا تنجر النخب السياسية إلى معركة شكوك تتنازعها مخاوف أو عصبية “إقليمية”, ولنقل بصوت واضح, بغض النظر عن أصولنا, لكن كمواطنين مخلصين, اننا نرفض التدخل الأمريكي المدمر في الوضع الداخلي, وفي العلاقة الأردنية الفلسطينية, وعليه فخطير أن يشكو أي مواطن أي غبن يراه, أو أن تأتمن الشخصيات السياسية تحليلها للوضع, للسفارة الأمريكية, فواشنطن ليست الحامية, بل هي أساس الدعم السياسي والمالي للمخططات الإسرائيلية لتدمير حقوق الشعب الفلسطيني.
أما عملياً من الضروري حل وانهاء ملف التجنيس, ولنبدأ ذلك بتنفيذ توصية لجنة الحوار الوطني بأن تشرف رئاسة الوزراء, من خلال لجنة مختصة, على قرارات منح أو سحب الجنسية على أسس قانونية واضحة, غير قابلة للتأويل, وبذلك نطفئ فتيل توتر داخلي, قابل للتأزيم المتجدد, ونسحب ورقة ابتزاز من يد أمريكا وبالتالي إسرائيل
العرب اليوم.