يصرُّ اخواننا المعلمون على “مقاطعة” تصحيح اوراق الثانوية العامة، ويطالبون الحكومة الالتزام بدفع “علاواتهم” التي تأخرت منذ سنوات، ثم جاءت “الهيكلة” لتأخذها منهم مرّة ثانية، وفي المقابل يعترف وزير التربية والتعليم “بمشروعية” مطالبهم، ويعدهم بدراستها، لكنه يمتنع عن اصدار اي تصريح يلزم الحكومة بتحديد موعد محدد لتصحيح “الهيكلة”، وبالتالي ما تزال المشكلة قائمة: المعلمون مصممون على “تعديل” العلاونة لتصل الى “100%”، والحكومة عاجزة عن التفاهمم معهم، ووزارة التربية بين نارين: نار الخوف من عدم قدرتها على توفير “ البديل” لتصحيح الامتحان مما سيدفع الى تأخير اعلان النتائج وارباك القبول في الجامعات، ونار اقناع مجلس الوزراء “بالاستجابة” للمطالب او وضع “جدول” زمني محدد لتنفيذها خلال هذا العام.
لا نستطيع ان “نلوم” المعلمين الذين تعرضوا في السنوات الماضية، لسلسلة طويلة من التهميش والنسيان وهضم الحقوق، ووجدوا انفسهم امام “تحدٍّ” فرض عليهم “الاعتماد” على انفسهم لانتزاع حقوقهم، ولكننا نشعر باننا امام “ازمة” حقيقية تمسّ كل بيت اردني، ومن يدفع “ضريبتها” هم ابناؤنا الطلبة الذين لا ذنب لهم فيما حدث، والمشكلة – هنا – ليست في “تأخير اعلان النتائج” التي سببها اضراب المعلمين، وانما في الاجراءات البديلة التي يمكن ان تقوم بها الوزارة “لافشال” الاضراب – ومن بينها “الاستعانة” بالمعلمين من القطاع الخاص وخاصة ممن لا تتوفر فيهم الشروط للتصحيح، اضف الى ذلك ما يرافق عملية التصحيح من “ارتباك” نتيجة “اضطراب” المزاج العام لاخواننا المصححين داخل القاعات، وهذا كله سينعكس سلبا على الاداء وعلى دقة النتائج ايضاً
تتحمل الحكومة – ووزارة التربية تحديدا – مسؤولية ما حدث، ويفترض ان تبحث عن “حلول” حقيقية ومقنعة للخروج من هذه الازمة، واعتقد ان لدى المعلمين “الرغبة” في التوصل الى تسويات مرضية، يحافظون من خلالها على حقوقهم المكتسبة، و”ينقذون” ابناءنا الطلبة من هذه المحنة التي اربكتهم، ويعيدون – ايضا – لامتحان الثانوية “سيرورته” الطبيعية وصدقية نتائجه و “رمزيته” التي جرحت – للاسف- في بعض المحطات نتيجة الاهمال او سوء التقدير او الاستعلاء على “مطالب” هذا القطاع وحقوقه
حتى الان، لا يبدو ان الحكومة جادة في معالجة هذا “الملف” لا على صعيد “العلاوة” ولا على صعيد “افتعال” الصراعات داخل صف المعلمين، كما لا يبدو ان “الهيكلة” التي اندرجت في اطار “الاصلاح” الاداري وجدت قبولا ايجابيا لدى الموظفين، بل ان اصداء رفضها من قبل “المتضررين” منها ما زال تتردد بتصاعد، مما يعني اننا فشلنا في هذه “المحطة” وان ارضاء المعلمين والاداريين في التربية فقط لن يحل المشكلة، نظراً لوجود آخرين (وهم كثر داخل القطاع العام) غير مقتنعين بان “العدالة” في الرواتب والعلاوات اخذت طريقها اليهم.
نحن اذاً امام “فورات” جديدة عنوانها “الدفاع عن الحقوق وتصعيد المطالب” بدأها المعلمون وانضم اليهم آخرون، وهي مرشحة للتصاعد بسبب “سوء” الاوضاع الاقتصادية وتدهور احوال الناس المعيشية واذا كانت الحكومة مشغولة “ببناء” تشريعات الاصلاح السياسي فمن المفترض ان تنتبه الى ما يعانيه الناس في معاشهم وان تنشغل به ايضا.. لكي لا يدفع الناس الى الشعور باليأس وبالتالي الاصرار على تعطيل “حياتنا العامة” للدفاع عن “حقوقهم” بما يملكون من ادوات
اذن كيف نخرج من هذه “الازمة”؟ اعتقد ان الجواب لدى الحكومة وليس لدى “المعلمين” الذين صبروا طويلا قبل ان يكتشفوا بان لديهم “القدرة” على انتزاع حقوقهم.
الدستور