الفاخوري ليس عوض اللهوهذه قصة شاطئ العقبة الجنوبي

عماد فاخوري


الإصلاح نيوز- كتب محرر الشؤون المحلية/

بينما تحاول جميع دول العالم أن تحارب البيروقراطية وأن تقلص من نفوذها للعمل على تحسين أداء مؤسساتها ورفع سوية الخدمات المقدمة للمواطنين، تتحول البيروقراطية في الأردن إلى أحد المقدسات الوطنية التي تجد من يدافع عنها بشراسة ويحذر بشدة من المساس بها، وتفنن البيروقراطيون في البحث عن الأعداء، فوضعوا الليبراليين أو الديجيتال – كما يفضلون تسميتهم – كفزاعة يحملون عليها تضخم الموازنة العامة وتبديد ثروات الوطن.

والحقيقة مختلفة عن ذلك، فالبديهي أن تضخم المديونية يأتي نتيجة تزايد الإنفاق على القطاع البيروقراطي الديناصوري، ووجد الأردنيون أنفسهم مضطرين لأن يدفعوا من أجل استمرارية أجهزة الدولة في العمل لمجرد البقاء دون أي عوائد اقتصادية حقيقية تنعكس على النمو، ولم يشهد الأردن نموا عاليا ومضطردا كالفترة التي تواجد فيها الليبراليون والديجيتال في المطبخ الاقتصادي.

ويمكن أن ينتقد البعض ذلك ويتساءل عن النمو الإنتاجي وليس في قطاع العقارات أو الخدمات، وذلك افتئات،واضح، فلكل بلد ميزة تنافسية، واليوم لا يمكن الحديث عن صناعات وطنية في ظل العولمة، وكيف يمكن لمصنع لعب الأطفال في الأردن أن ينافس نظيره الصيني الذي تصل بضائعه إلى الأردن بأقل من ربع تكلفة تصنيعه، هذا مثل، وعلى ذلك يمكن استعراض بقية الأمثلة، ولكن ذلك ليس موضوع البيروقراطيين والديجيتال، فالموضوع هو البحث عن مكتسبات وتخندق في المواقع، يمارسه الطرفين.

وعماد فاخوري وغيره يمثلون أهدافا سهلة للانتقادات، فمثل هؤلاء جاؤوا من خلفية تركز على الانتاج وتتعامل بمنطقية وواقعية مع التحديات الاقتصادية، ويمكن لهم أن يتفهموا مصطلح “Know how” وأهميته، وأن يتخذوا قرارات تقديم التسهيلات للمستثمرين الذين يملكون هذه المعرفة، ويمكنهم أن يتعاملوا مع مصطلحات اقتصاد المعرفة وبناء القدرات، وبالتالي، فإنهم يتفهمون الصراع القائم على رأس المال الموجه للدول العربية والدول النامية، وهو صراع لا يرحم.

والأردن بمتوسط الأجور المرتفع فيه مقارنة بآسيا، بجانب عدم توفر المياه ومشكلات القطاع الزراعي بلد غير جاذب إلا لنوعية معينة من الاستثمارات، ويتنافس في وسط صعب مع دول عربية تمتلك نفس المقومات أو تتفوق عليه، في السياحة توجد مصر وسوريا وفلسطين والإمارات وقطر، وفي التقنية، مصر واسرائيل، وفي التعليم، مصر ولبنان، وبالتالي فإن المستثمر ينتظر المزيد من التسهيلات.

وعلى ذلك يستغرب البعض من منح امتيازات في الأراضي ومدخلات الانتاج لبعض المستثمرين، ويعتقدون بأن الديجيتال يرتبطون بمصالح سرية، ماسونية، استخبارية وغير ذلك من قاموس الشبهات مع المستثمرين القادمين من الخارج، بينما التوصيف الدقيق أنهم يمتلكون الجرأة السياسية بتحررهم من لعبة الواسطات والعطايا والوظائف المناطقية، ويمتلكون التقدير الصحيح لما يمكن أن يستفيدوا منه على المدى البعيد.

يتهم فاخوري وغيرهم بالفئوية، بينما يفضلون دائما أن يتعاملوا مع شخصيات عملية لقيت الفرصة للحصول على تعليم متميز، وكان هذا التعليم متوفرا في الأردن قبل أن تسقطه البيروقراطية بالضربة القاضية ويتراجع مستوى الخريج الأردني بصورة مأساوية، وهذا ما أسهم في خلق ظاهرة النخب المغلقة، وليست فئوية أو مزاجية الديجيتال، فأيمن الصفدي أتى من أسرة بسيطة وتمكن من الوصول إلى الصف الأول من رجال الدولة الأردنية، ليس لأنه يتمتع باي حماية اجنبية، ولكنه عمل بصورة مستمرة على تطوير قدراته واكتساب مهارات جديدة، جعفر حسان ابن خريبة السوق وليس مولودا في دابوق، وآخرون غيرهم، والتشكيك بهذه الطريقة لا طائل من ورائه سوى التشويه وتصفية الحسابات.

العلاقة مع الولايات المتحدة ليست سبة في النهاية، فالجميع يحاول أن يسترضي الأمريكيين، واليوم تعيش الجماعات الإسلامية شهر عسل مفتوح مع الولايات المتحدة، وتطلب هذه الجماعات وساطة من بعض السفراء لتتنازل وتجلس على طاولة واحدة مع حكومات الدول التي تعمل فيها، وهل يعني العمل في السفارة الأردنية في تل أبيب العمالة لاسرائيل وتشابك المصالح مع “العدو الصهيوني”، هذا كلام خطير ينسحب على رجال مهما اختلفنا حولهم لا نشك في وطنيتهم وإخلاصهم مثل علي العايد ومعروف البخيت.

يتعرض فاخوري حاليا لهجمة شرسة، مع أن وظيفته لا تتعلق بأي سياسات وهو ليس لاعبا في المطبخ السياسي أو الاقتصادي، مع أنه مؤهل لذلك، هو في النهاية رجل تنسيقي وتنفيذي لديه الخبرة في التعامل مع العديد من الأطراف ومعرفة جيدة بطرق تفكيرهم، وطبيعة هذه الهجمة أنها تريد اقصاء من يسمون بالديجيتال لمصلحة البيروقراطية التقليدية التي يمكن أن تمضي إلى ما لا نهاية في سياسات الاسترضاء والشراء، تجيد أن تقرأ المشهد المحلي وتفضل أن يبقى على ما هو عليه، دون أن تسعى للتقدم به، تفضل أن ينحصر طموح الشاب الأردني في مكتب بأحد الدوائر المزدحمة، بينما يحصل الوافدون على جميع فرص العمل الحقيقية والمجزية، وكيف يمكن للأردنيين أن يمتلكوا الخبرة في الصناعة أو السياحة أو أي شيء آخر، وهم ينظرون إلى ديوان الخدمة المدنية كبقرة مقدسة

ربما يكون هنالك شبه في الادوار التي فرضت على كل من باسم عوض الله او عماد فاخوري الا ان الحقيقة والانصاف تقتضي الاقرار بان فاخوري يحتكم لفكر سياسي يؤطر اداؤه المهني فهو على معرفة عميقة، و تفصيليه بالخارطة الاجتماعية الاردنية مكنته من اقامة علاقات متوازنة مع جميع من تعاملوا معه .

فالرجل يتمتع بمهارات استثنائية في الادارة تجعل من وجوده في اي اجتماع اضافة نوعية لجهة تيسير هذا الاجتماع للوصول الى اهدافه التي عقد لاجلها .

وربما يكون توليه لحقيقة وزارة تطوير القطاع العام والمشاريع الكبرى، ابرز مثال على عدم وجود اي نوازع عنده للاستحواذ على القرار والتفرد فيه .

عندما جرى انشاء دائرة المشاريع الكبرى في رئاسة الوزراء انطوى عمل هذه الدائرة على التداخل مع عمل عدة وزارات كانت تنفذ مشروعات سكك الحديد والطاقة النووية ومشروع جر مياه البحر الاحمر وناقل البحرين والديسي.

الا ان كل هذه الوزارات توقفت عند الحرفية والمهنية التي تعاملت بها هذه الدائرة معها عندما ساهمت في اعطاء دفعه قوية لهذه المشروعات قائمة على التكامل وليس التداخل ودون ان تحاول السيطرة عليها والتغول على قراراتها والتفرد في ادراة هذه المشروعات .

عماد فاخوري ليس رجلا خلافيا ولا يغضب احدا منه وهو حريص على حضور جميع المناسبات الاجتماعية وهو بفتخر بعروبته .

فهو يابي التحدث في المناسبات العامة الا باللغة العربية حتى لو كان جمهورها من الاجانب على الرغم من كونه خريج جامعة هارفرد ومتمكن من الانجليزية قدر تمكنه من العربية .

ان تصفح السيرة المهنية للفاخوري الذي ينتمي الى اسرة من الطبقة الوسطى والتي مثلت مصدر اعتزازه وافتخاره تؤشر على المعيته وتميزه في كل المجالات التي عمل فيها ابتداء من حصوله من الثانوية العامة التي حصل فيها على مرتبة الثالث على المملكة في الفرع العلمي قبل ان يكمل تعليمه في ارقى الجامعات العالمية.

فهو يحمل مؤهلات علمية تتمثل بحصوله على 3 شهادات ماجستير اهلته للعمل لمناصب دولية في الامم المتحدة وفي القطاع الخاص، وكذلك في القطاع العام المحلي عندما عمل في الخارجية الاردنية وفي سلطة العقبة الخاصة وفي الديوان الهاشمي العامر ومن ثم سلطة المنطقة الخاصة وشركة تطوير العقبة، قبل ان يلتحق كوزير بحقيبتين وزيريتين، الا ان تبوأ منصب مدير مكتب جلالة الملك، مما يعني ان الرجل الذي تدرج بخبرات ومسؤوليات تمتد 20 عاما مشهود له بالكفاءة والنزاهة والعمل الجاد والخبرة العميقة.

وقد وفرت له الخبرات التي حصل عليها عروضا مغرية في مؤسسات دولية وشركات عملاقة في دولة الامارات العربية لكنه فضل ان يضع خبراته تحت تصرف بلاده في مختلف ميادين الشرف في العمل العام الذي انيط به على مدار سنين عمله

وقد استغرب بعض المشاركين الاردنيين في احد المؤتمرات الدولية حجم الاعجاب الذي نالته مشاركة الفاخوري في ذلك المؤتمر وسعة اضطلاعه وعمق بصيرته تجاه القضايا المطروجة في ذلك المؤتمر حول الامن والتنمية وطبيعة الصراعات التي تعترض المنطقة باسرها

ربما التقى فاخوري بعوض الله في بعض المواصفات من حيث الديناميكية والسيرة المهنية الا ان كل من عرفوه يعتبرون “التوازن” هو مفتاح شخصيته التي مكنته من الحفاظ على تقدمه وتطوره المهني ،واذا كان هنالك بعض سهام الاتهام قد طالته حول بيعه الاراضي في العقبة الا ان هذه الاتهامات افتقدت للدقة والموضوعية لان الاراضي التي تم الحديث عنها تتعلق باتفاقية خلال ترؤسه لشركة تطوير العقبة حول تطوير الشاطئ الجنوبي.

وأصل القصة ان شركة برنس طلبت من شركة تطوير العقبة تاجير هذه الاراضي لمدة 25 عاما الا ان الفاخوري اشترط تاجيرها وتطويرها بانشاء منتجعات وخدمات تصل قيمة المرحلة الاولى الى 5 مليار دينار، مع اشتراط ان تكون شركة تطوير العقبة شريكة في المشروع، الحقيقة ان هذا المشروع جاء بناء على طلب من اهالي مدينة العقبة والفنادق التي ليس لها منافذ شاطئية على البحر، حتى يتم خدمة زبائن هذه الفنادق بمنفذ شاطئي يتمتع بكافة الخدمات السياحية التي تجتذب الزائرين .

كل من خدم بمعية الفاخوري يعرفون مدى تشدده بالعمل المؤسسي في جميع القرارات التي يتخذها، ولم يخرج التعامل مع مشروع تطوير الشاطيء الجنوبي عن هذا السياق فكل ما تم عمله كان يخضع لمعايير واشتراطات وضعها مجلس الوزراء في اتفاقيات تطوير تنظم عمل تطوير الموانئ والمطار والاراضي، اضافة الى موافقات مجلس ادارة شركة تطوير العقارات.

ما تم اشاعته عن المشروع اغفل وتعمد عدم ابراز وجود عقد تأجير وعقد تطوير يبين كل الاشتراطات والعوائد الاخرى التي ترد للدولة والالتزامات المترتبة على المستثمر، التي كانت في مجملها تصب في صالح الدولة، دون ان تغفل امكانية تحقيق عائد ادنى للمستثمر، على اساس تنافسي، مما يدل على وجود مقصد من تشويه صورة المشروع والتضليل من خلال اخفاء بعض المعلومات التي تضمنها ملف كامل موجود بين يدي مجلس النواب.

بحسب المصادر فإن معظم الايرادات كانت ستتحقق من مجمل المبيعات للمشروع، مع مراعاة ان الهدف الأساسي يتمثل في بناء افضل مشروع، لخدمة الفنادق غير الشاطئية وابقاء رسوم الدخول متدنية بعد ان تم تحديدها من الحكومة وسلطة العقبة وسلطة التطوير الحكومية، مما يعني ان الهدف لم يكن ينحصر في تأجير الأرض وحدها، فهنالك حد ادنى فرض لمواصفات المشروع وحجم الاستثمار فيه.

اضافة الى ذلك فان المشروع تم طرحه من خلال عطاء شفاف لم يكن هدفه العائد من الايجار ولكن من نسبة من الايرادات الكلية، وقد تنافس عليها المهتمون من خلال عطاء، وتم اختيار العرض الفني والمالي الافضل، وعلى اساس تأجير الارض، بحيث يلتزم المستثمر بتطوير نادي شاطئ للفنادق غير الشاطئية، وفقا لما طلبته سلطة المنطقة الاقتصادية الخاصة من شركة تطوير العقبة، وهي الذراع التطويري للعقبة على اساس البناء والتشغيل والتمليك، الامر الذي يعني ان المشروع كله سيؤول للدولة وتبقى الاصول والارض ملكا لها، من خلال شركة تطوير العقبة.

وعلى الرغم من الضغوط التي تم ممارستها على الشركة لاقرار الاتفاقية الا ان تلك الاتفاقية ابقت على شراكة الحكومة في جميع مراحل المشروع وخصوصا فيما يتعلق بتحديد اسعار الدخول وتفاصيل المشروع الأخرى الذي يعتبر من المشاريع الريادية في تلك المنطقة.

لن يكون عماد فاخوري الأخير، ويمكن أن تمتد مساهمة التفكيك للكفاءات الأردنية لتفرض نفسها، ونجد أن سفيرنا في الولايات المتحدة مثلا لا يجيد اللغة الإنجليزية، وفي فرنسا لا يجيد الفرنسية، وكل ما فعله في حياته هو أن انتظر دوره في لعبة المحاباة والترضية.