تقع جريمة اغتيال العالم النووي الإيراني مصطفى احمدي روشن في طهران امس، في باب البدائل للحرب العسكرية التقليدية التي تقرع طبولها هذه الايام بين ايران والغرب، وفي سياق الحرب الباردة التي تدور بين الجانبين وتنتهك المحرّمات وتخرق جميع الخطوط الحمراء.
ليست العملية السادسة من نوعها في خلال عامين، مجرد اختراق للأمن الإيراني الداخلي المكشوف. هي أشبه بغارة جوية أو صاروخية على مفاعل نووي إيراني، ولعلها أخطر من أسوأ وأخطر وأقسى من حرب شاملة تشنها اميركا وإسرائيل وحلفاؤهما على ايران، لأنها تتوج تقليدا غربيا شائعا منذ الحرب العالمية الثانية، سبق أن نجح في تقويض برامج نووية لدول معادية للغرب غامرت في دخول ذلك النادي المغلق. والأمثلة لا تقتصر على بلدان عربية مثل العراق ومصر وسوريا وليبيا… بل هي تشمل أيضاً الاتحاد السوفياتي نفسه الذي دفع وجوده ثمنا لمثل هذه المغامرة الخطرة.
ولعل هذه هي غلطة القيادة الإيرانية التي لم تقرأ التاريخ جيدا، ولم تحسن المساومة على برنامج نووي مدني حيوي لتطوير اقتصادها، ولم تراجع تلك التجارب التي مرّت بها دول دخلت النادي النووي بسياسات أدهى وكفاءات أقوى وتهديدات أقل وخطابات أذكى بكثير مما يصدر من طهران عن انهيار الغرب وتفكك بلدانه وزوال أنظمتهم.
هو خيار طهران أن تضع برنامجها النووي على رأس قائمة أولوياتها الوطنية، فوقعت في فخ محكم نصبه الغرب الذي كان يترقب مثل هذا الخيار لكي يحاصر ايران ونظامها وشعبها ويضعهم في قفص الاتهام بالسعي المستحيل الى انتاج قنبلة نووية ويعيدهم الى داخل حدودهم التي خرجوا منها طوال العقد الماضي حتى وصلوا الى حدود المتوسط، للمرة الاولى من ايام قائدهم التاريخي الابرز قورش.
ونتيجة لذلك الخيار صار النظام الإيراني حسب اعترافات أخيرة لأكثر من مسؤول غربي هدفا مشروعا للحصار بعدما كان النظام الغربي هو الهدف الإيراني ومعه حلفاؤه الذين كانت طهران ولا تزال تتوقع سقوطهم الواحد تلو الاخر وقيام الامة الاسلامية الواحدة الموحدة من حدود الصين الى شواطئ الاطلسي… مرورا بمضيق هرمز الذي كان التهديد بإغلاقه واحدا من اغرب المواقف الإيرانية، التي كانت سببا لحشد المزيد من الأساطيل الاميركية والغربية في مياه الخليج.
الاغتيال هو احد بدائل الحرب التقليدية، وهو احد مظاهر الحرب الباردة التي تدور اليوم في شوارع طهران وفي غرف عملياتها التي أقفلت على خيار سياسي باهظ الثمن، وفتحت على خيارات أمنية غير محدودة لا في الزمان ولا في المكان، يمكن ان تحقق ثأرا لكنها لا يمكن ان تحدث فرقا في ميزان القوى الذي ترجح كفته بغير ما تشتهيه او تدعيه طهران.