جزء من تميز عملية الإصلاح في الأردن أنها تتم بقيادة ورؤية ملكية قائمة على قراءة مطالب الناس وحركة الشارع والمجتمع, ولهذا كانت المبادرات الملكية مثل مراجعة الدستور التي كان البعض يعتقد انها اكبر من خطوط حمر, وكانت لجنة الحوار التي كان من المفترض البناء على مخرجاتها والانتقال بمقترحاتها التي تم تسليمها للحكومة السابقة, وكان يجب اخضاعها لحوار من مستوى آخر وان تتحول الى مشروع قانون, يُفترض أنه اليوم لدى مجلس النواب.
الرؤية الملكية ليست رغبات كما يصفها الناطق باسم الحكومة, لكنها خارطة طريق واضحة وواقعية, ونذكر ان الملك اعلن في شهر ايلول الماضي ان الانتخابات النيابية ستجرى هذا العام, وكان الإعلان قائما على تصور واضح بأن عملية الإصلاح يجب ان تتوج بانتخابات نيابية تُعيد بناء المؤسسة الممثلة للأردنيين, وتنقل حركة الشارع الى العمل السياسي الدستوري الى مؤسسات صنع القرار, فالملك لم يتحدث عن رغبات بل هي رؤية سليمة واضحة ومتقدمة تنسجم مع مطالب الاردنيين.
قبل يومين نشرت احدى الصحف تصريحا على لسان الناطق باسم الحكومة بإن الانتخابات النيابية ستجرى في نهاية العام, لكن سرعان ما قامت الحكومة بنفي التصريح مبررة هذا بإن الانتخابات تحتاج الى آليات; منها قانون البلديات والاحزاب والمحكمة الدستورية, وهو تبرير غريب لأن كل هذه القوانين لا تعطل الانتخابات ولا علاقة لها بها, فالانتخابات مرتبطة بقانون الهيئة المستقلة وقانون الانتخاب, والقانون الأول لدى النواب والثاني تماطل الحكومة في صياغته لأنها سترسله الى مجلس النواب بعد شهرين من الآن!!
المواقف واضحة; فالحكومة, كما اشرت سابقا, لا تريد اجراء الانتخابات هذا العام, وترى ان الوعد والرؤية الملكية رغبات, في حين مصلحة الدولة اجراء انتخابات تقوم (بلملمة الحالة العامة), ولهذا فإننا اليوم بحاجة الى خطوة كبيرة من صاحب الرؤية والمبادرة ومرجعية الدولة لحسم الأمر والاجابة على السؤال:- هل الدولة كلها لا تريد اجراء الانتخابات وستمرر للحكومة مماطلتها القائمة على رغبتها بالاستمرار وطول العمر, ام ان هناك مسارا اقرب الى مصلحة الدولة وهو رؤية الملك الاصلاحية القائمة على تتويج ما تم من خطوات اصلاحية مهمة بعملية سياسية نزيهة هي الانتخابات النيابية?
الملك خلال لقائه رؤساء الحكومات قبل يومين كان حديثه واضحا باننا بحاجة الى عملية اصلاح سريعة, وهذا الأمر ليس منسجما مع مسار الحكومة ورغباتها.
الحسم ليس ترفا, بل ضرورة, لأن المماطلة لها ثمن سياسي وشعبي, اما اجراء الانتخابات على اساس قانون توافقي فهو جزء من الحل والاصلاح, فلا بد من خطوة سياسية من مرجعية الدولة لوضع الأمور في نصابها, وأن تكون فيها الإجابة واضحة هل الدولة تؤيد مماطلة الحكومة التي لا تخدم الاصلاح ام ان هناك مسارا آخر يخدم الاصلاح وينسجم مع الرؤية الملكية … نتمنى ذلك وننتظره?