بين بطء الحكومة السابقة ومماطلة الحالية… الخيار واحد
من يتابع بعض المشاهد يعلم ان خيار قدوم “حكومة رابعة” منذ بداية الحراك مطروحا ومتداولا حتى قبل ان تنال الحكومة الثالثة “الحالية” الثقة من مجلس النواب, والسبب الرئيسي ان الحكومة الثالثة كشفت بشكل مبكر عن اولوياتها وبرنامجها القائم على اطالة عمرها ما امكن, ولهذا لم يصبر الرئيس حين كان مكلفا وفي مرحلة التشكيل على الحديث عن نيته تعديل الدستور وتحديدا المادة الخاصة باستقالة الحكومة التي تحل البرلمان, لكن اكتشف لاحقا ان الامور ليست بالسهولة التي يعتقدها, فخانته خبرته السياسية المحدودة فتراجع عن امنياته مرحليا ولم يعد يتحدث عن تعديل الدستور.
لكن الحكومة لم تتخل عن آمالها بالبقاء طويلا, ولهذا نسيت المهمة الاساسية لها وهي انجاز التشريعات السياسية التي تضمن اجراء الانتخابات النيابية خلال عام ,2012 وهو وعد اطلقه الملك للعالم وللاردنيين, اضافة الى اصلاح ما افسدته الحكومة السابقة في ملف الانتخابات البلدية.
الحكومة نسيت المهمة او تباطأت بانجازها لانها تعلم ان انجاز قانون الانتخاب يعني قرب رحيلها, لهذا اعلنت انها سترسل مشروع القانون الى مجلس النواب في النصف الثاني من شهر اذار اي ان الامر سيذهب الى العام المقبل.
والحكومة خسرت مبكرا ورقة تم تضخيمها وهي ان رئيسها بلا سجل سلبي وانه قاض دولي, وكانت هذه مطلوبة لاعطاء صفة النزاهة للمرحلة السياسية الاصلاحية, لكن الامر لم يأخذ وقتا طويلا, لنكتشف ان الرئيس بلا سجل سلبي لدى الناس لانه يعمل خارج الاردن منذ العقد الماضي ولم يعد الا قبيل تشكيل الحكومة, ولنكتشف انه مثل غيره, حيث كانت الصداقة والعلاقات الشخصية هي وراء جزء مهم من تشكيله الحكومة وتعيينات اخرى, وبالتالي خسرت الحكومة جزءا كبيرا من صورتها بسرعة قياسية, وساعدها الاداء الضعيف لوزراء العلن, والغياب غير المفهوم لوزراء كانوا يعتبرون انفسهم سياسيين بل جزءا من الحراك.
كل ما سبق كان يمكن تجاوزه لتمرير المرحلة السياسية, لكن الحكومة تواصل حتى اليوم التذاكي حتى على اصحاب القرار, وربما في ذهنها صعوبة تشكيل حكومة رابعة اليوم واخرى خامسة تقوم باجراء الانتخابات, والرسائل والتفاصيل السياسية في اوساط مختلفة تقول ان اجراء الانتخابات النيابية في اسرع وقت هو الهدف, وربما وصلت الرسالة للرئيس في اكثر من مكان وزمان, وكان المنتظر ان تقوم الحكومة بالاعلان والاسراع عن انجاز مشروع قانون الانتخاب شبه الجاهز, وربما اعتقدنا ان لقاء الرئيس مع لجنة الحوار يوم الجمعة مهما وسيناقش القانون لكنه لم يكن اكثر من “مأدبة غداء”, وحديث عام من الرئيس, وقبله التقى الرئيس مع قيادة الاسلاميين وكان يجب ان يكون قانون الانتخاب هو المحور الرئيسي لكن لم يحدث شيء.
الحكومة مصرة على المماطلة , وتراهن على صعوبة قدوم حكومة رابعة, لكن المرحلة تحتمل خيار الحكومة الرابعة التي ان جاءت سيكون برنامجها محددا وهو انجاز التشريعات وحل البرلمان ثم تسليم الراية لحكومة خامسة تجري الانتخابات, وكل هذا مباح وعادي في مرحلة صعبة وحساسة.
ما كان يؤخذ على الحكومة السابقة هو البطء, وجزء من اخطائها انها اعتقدت انها باقية على الاقل لاجراء الانتخابات البلدية, وكان تصريح الرئيس السابق واضحا لوكالة بترا حين اعلن ان حكومته ستجري الانتخابات البلدية, لكن هذا لم يحدث, ومشكلة الحكومة الحالية هي المماطلة والرهان على صعوبة تغييرها, لكنه رهان غير حقيقي, وعليها ان تقرأ الاجواء جيدا, وبذكاء لم نلحظه في تعامل الحكومة مع قضايا مختلفة, فالاردن اليوم يريد الخروج من الحالة الحالية, والطريقة التي تدار بها الامور تصلح لحكومة عام 1983 وليس هذا العام, ولان الحكومة خالية من الفريق السياسي فانها تفكر بطريقة فردية وبحسابات اصبحت معلومة للجميع.
لا ادري ان كانت الحكومة ما زالت تملك فرصة للخروج من حالة المماطلة, وهي اليوم بلا اصدقاء, فقد بدأت عملها بهجوم شرس وغير مفهوم على المؤسسة الامنية, وتحت عنوان الولاية العامة, مع ان الولاية العامة يمكن ممارستها من دون معارك اعلامية او هجوم على مؤسسات الدولة, لكن الولاية تمت ممارستها في امور ثبت انها لخدمة اصدقاء ومحاسيب, لكن احداثا سياسية مثل ما جرى في المفرق كشفت ان الحكومة “خارج التغطية” وانها لا تدري شيئا الا من خلال المواقع الاخبارية او احتجاجات المعارضة.
حتى الاسلاميون ورغم كل “الدلال” الذي يقدمه الرئيس فانهم حزب يبني عمله على اساس ان الحكومة تحتاجه, ويعلم ايضا ان بامكانه الاستفادة من التناقض بين الحكومة ومؤسسات الدولة الاخرى, لكن الاسلاميين يبحثون عن مصالحهم وليس عن مساعدة الحكومة, وهم معنيون بتأجيل الانتخابات مثلما هي الحكومة, لكن الحكومة اذا لم تقدم لهم خدمات سياسية فانهم سيقفون ضدها, وهم حتى اليوم لم يغيروا من عملهم رغم كل ما فعل الرئيس, وربما يقل وزن الحكومة لديهم مع ما جرى في المفرق وما تبعه من حديث لم يتم عن ارجاع جمعية المركز لهم.
اذا استمرت الحكومة في قراءة المشهد وفق قدراتها ومعادلاتها السياسية فانها قد تجد نفسها يوما خارج اللعبة, والذين قدموا النصائح باقالة الحكومة السابقة هم ذاتهم اليوم يقدمون ذات النصائح, واذا لم تملك الحكومة المبادرة السريعة وتدرك واجبها الاساسي فان الامور لن تكون سهلة عليها, لان عليها ان تدرك انها خسرت الكثير من صورتها, وقدمت ممارسات مست مزاعم محاربة الفساد والمحسوبية, وتماطل في واجبها الرئيسي وهو انجاز التشريعات السياسية, واليوم الاولوية لمصلحة الدولة حتى لو كان الثمن حكومة جديدة او غيرها من الاجراءات السياسية التي تضمن ايجاد الحلول وليس شراء الوقت وتأخير الحلول.