لا أعتقد أن السعي لمكافحة الفساد سيأتي بأي ثمرة في عالمنا. فالسرقة جزء أساسي من تراثنا وربما جينات تجري في عروقنا. لا أعتقد أن أي واحد منا قد سلم كليا منها. أي واحد من السادة الذين يرفعون عقيرتهم في هذه الأيام ويطالبون بمكافحة الفساد، سيفرح ويبتهج، بل ويتباهى عندما يتقدم أحد من حرامية الملايين لخطبة ابنته. فنحن لا نعتبر السرقة عيبا. بدليل أنني أعرف عددا من الحرامية أصبحوا أساتذة في الجامعات ورؤساء مراكز أبحاث ومديرين كبارا في السلطة مع علمنا التام بسرقاتهم. نطلب من بواب غلبان أن يأتي بشهادة عدم محكومية وحسن سلوك قبل تعيينه ولا نطلب من هؤلاء المسؤولين تقديم أي شهادة من ذلك. السرقة عندنا شطارة وليست جريمة أو خطيئة. ولهذا لا أرى سبيلا لمكافحة الفساد لأنه يتطلب تغيير تفكيرنا. وتغيير التفكير مهمة أصعب عندنا حتى من مكافحة الفساد.
هذه مسألة خطيرة. لأن مواصلة الفساد سيؤدي إلى سلسلة لا تنتهي من الثورات والاضطرابات وسفك الدماء وتدمير المنشآت، فضلا عن ضياع الأموال المنهوبة. فما العمل؟
مفاتيح الإصلاح في عالمنا العربي ليست في أيدينا. إنها بيد الغرب. وأعتقد أن القيام بمظاهرات واحتجاجات في ميدان التحرير ونحوه من مراكز المدن العربية لن يفضي لشيء. ياما وياما اشتركت في مظاهرات وفعاليات في بغداد، وأنظر الآن إلى ما يجري في العراق فأتأسف على ما قمت به. المطلوب هو القيام بهذه المظاهرات في ساحة الطرف الأغر بلندن وميدان الباستيل في باريس ونحوهما من المراكز الأوروبية. نطلب من الحكومات الغربية تطبيق قانون «من أين لك هذا؟» على المواطنين العرب كما يطبقونها على مواطنيهم. فمصير الأموال العربية المنهوبة هو دائما البنوك والمؤسسات المالية الغربية. عليهم أن يطلبوا من أي مواطن عربي أن يثبت شرعية الأموال التي يأتي بها قبل أن يقبلوها منه. وكذا إذا حاول شراء عقارات أو استثمارات أو مجوهرات أو يخوت بحرية أو طائرات أو سيارات. من أين لك هذا؟ عليهم أن «يعولموا» هذه القاعدة ويفرضوها على كل النظام المصرفي العالمي.
لا يتبع الغرب ذلك لأنهم يريدون ورود هذه الأموال الأجنبية. ولكن هذه منفعة قصيرة الأمد. فعلى المدى البعيد يؤدي استحكام الفساد في العالم الثالث إلى اضطراب التعامل التجاري والمصرفي وذيوع عمليات التزوير والتهريب والقرصنة وتجارة الرقيق الأبيض وانتشار الاضطرابات والإرهاب والحروب على نطاق عالمي. الربيع العربي خير مثال لما أقول. وجود أموال وسخة ليس من صالح العالم ككل.
أعتقد أن مطالبة الساسة العرب بالقيام بأي شيء مضيعة للوقت. انظروا لهذا الدور المشين الذي أبدته الجامعة العربية حيال ما يجري في سوريا. مضيعة وقت. في آخر المطاف نجد أن القضية تتوقف على انطلاق طائرات الناتو وبوارجه لتحسم الموضوع. لا أدري لماذا تظاهر السوريون أمام السفارة السورية في لندن. هل بيدها الأمر؟ كان عليهم أن يتظاهروا أمام داوننغ ستريت. المفاتيح هناك.