يخطئ من يظن أن الاوضاع في سوريا سنتهي بنقل السلطة من فريق الى فريق, وفق السيناريو الذي حدث في تونس أو مصر أو ليبيا, ويخطئ من يظن أيضاً أن الوضع الذي ساد في سوريا منذ اربعين عاماً وأنعقد الحكم فيه لحزب وطائفة حاكمة سيستمر ايضاً, فالتغيير في سوريا قادم لكنه يمر بسيل من الدماء لأن كلاً من طرفي المعادلة في سوريا يعتقد ان فوزه لا يتم الا بهلاك الفريق الآخر.
التحدي الاساسي الذي يواجه الرئيس بشار الاسد, أن يجد صيغة سياسية جديدة تدخل معه شركاء حقيقيين في مؤسسة الحكم, تُشرك اطياف الشعب السوري وطوائفه الاخرى بشكل حقيقي في الحكم, بحيث يتحول الحكم في سوريا من حكم الطائفة والحزب الى حكم جميع أطياف وطوائف الشعب السوري.
كما ان انهاء النظام السوري بتدخل أجنبي سيفتح ابواب جهنم ليس على سوريا فقط ولكن على المشرق العربي, لأن سوريا متشابكة مع جميع الملفات الاساسية في الصراع في المنطقة وأي ضربة عسكرية لسوريا لن تتوقف عند استبدال النظام بل قد تتعداه الى تفتيت نسيج الشعب السوري مما يضعف الموقف العربي ويفتح الباب لتفاقم الصراع على المستوى الاقليمي .
ليس القصد من هذه المقاربة تبرير موقف النظام السوري الذي يقف في مواجهة شعبه, الا ان الخطر قد يطال بلدنا الاردن أيضاً, ليس فقط بتدفق اللاجئين وهو امر متوقع لكننا في الاردن لا نعرف كيف ستتطور الامور في سوريا الجار الاقرب, وكيف ستؤثر على بلدنا والمنطقة, ولا نعرف ما هي القوى التي ستصل الى السلطة في سوريا والى أين ستذهب بالمنطقة.
بالتأكيد هناك قوى سياسية عديدة على الساحة السورية تسعى للخلاص من النظام السوري ومنها قوى اسلامية مُنخرطة في الصراع وهناك تدخلات خارجية تؤجج الصراع في الساحة السورية.
من منظور اردني مصلحتنا ان لا نتدخل كدولة في الصراع الدائر في الساحة السورية, الا من ناحية انسانية وفي اطار الجهود العربية.
نحن بالتأكيد مع حق الشعب السوري في طلب الديمقراطية والحرية واصلاح نظام الحكم في سوريا ومع ايجاد توافق سياسي في الساحة السورية على قاعدة الاصلاح الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة فذلك هو الطريق الاسلم لحل الازمة.
لا يمكن لجيش من لون واحد مصمم على مواجهة شعبه بالعنف, ولديه الاحساس بأن التغيير السياسي سيعني الغاء نظامه ان ينحاز للشعب ولا يمكن لحراك سلمي يستند الى معارضة منقسمة ان يحقق نتائج سريعة, فالصراع في سوريا طويل وباهظ الثمن على سوريا والمنطقة.
والنظام السوري لا ينهار الا في حالتين, الاولى انقسام الجيش السوري بشكل حاد وهذا أمر قد يحدث اذا ما تعرضت سوريا لهجوم خارجي, والثاني التدهور الاقتصادي نتيجة الحصار والعقوبات والعصيان المدني وهذا هو البُعد الاخطر على النظام السوري, لكن حدوثه يحتاج الى وقت طويل لأن سوريا تتمتع باكتفاء ذاتي في العديد من المجالات, مما يعطيها المجال للصمود فترة طويلة, عدا عن عوامل اخرى منها أن الطوائف الاخرى غير السنّة لديها الاستعداد للتحالف مع النظام السوري لقلقها من وصول الاصولية الاسلامية الى الحكم في سوريا.
كما أن البرجوازية الاقتصادية والمالية في سوريا تنحاز للحكم خوفاً على مصالحها حتى لا يحدث في سوريا ما حدث في العراق, كما ان كل من العراق وايران سيواصلا الانفتاح على سوريا.
عدا عن احتمال انفجار صراعات جانبية مفتعلة من قبل اسرائيل وقوى خارجية قد تعيد توجيه الاحداث في سوريا والمنطقة.
قطعاً سيؤدي انهيار النظام السوري في هذه الظروف وخاصة اذا تم بعدوان خارجي الى مخاطر وصراعات داخلية واقليمية.
والخروج من المأزق الراهن يحتاج الى رئيس سوري يتمتع برؤية مستقبلية وليس رهينة لاجهزة الامن و يضع وحدة سوريا شعبا ودولة كأولوية فوق الاولويات الطائفية والحزبية.
فاذا ما استقرت سوريا على حل توافقي ينظم التداول السلمي للسلطة سينعكس ذلك على استقرار المنطقة.
اما اذا انزلقت سوريا الى مزيد من الصراع الاهلي الداخلي ستدخل اطراف أخرى ساحة الصراع وستجر الازمة المشرق العربي الى متاهات وصراعات، اشبه بما حدث في حرب لبنان الأهلية، والصراع الدائر في العراق،