وسط تزايد ملحوظ في عدد جلسات مجلس النواب، وتوقعات بتمرير قوانين “مهمة جدا” على شاكلة قوانين الانتخابات النيابية والمحكمة الدستورية، والأحزاب والهيئة العليا للإشراف على الانتخابات، يلوح في الأفق تساؤل عن مدى دستورية الإجراءات النيابية في ظل “الشك بازدواجية الجنسية لدى أي من أعضاء المجلس النيابي”.
وفي ظل غياب آليات واضحة تبين ما إذا كان أي نائب يحمل جنسية أخرى، يبقى الأمر في يد النائب نفسه للإعلان، وبالتالي الاستقالة أو الكتمان في وقت يعرف فيه أن تصويته على أي قرار “غير دستوري وقد يلغي شرعية قوانين أو قرارات هامة”، لأن باب الطعن في شرعية كل ما صدر عن المجلس بعد 1 تشرين الأول (اكتوبر) من العام الماضي سيظل مفتوحا.
“الغد” حاولت البحث عن بعض الآليات الممكنة لتبيان الأمر، أولها سفارات أجنبية تمتلك معلومات دقيقة جداً حول الأمر، إلا أن هذه الهيئات ترفض التصريح بذريعة ما يسمى بـ”قانون الخصوصية”.
ويحمي هذا القانون أي مواطن يحمل جنسية الدولة من إعطاء معلومات عنه حتى لو طلبتها حكومته بشكل رسمي.
المستشارة في السفارة الكندية لدى الأردن إميلي كينغ، رفضت الإجابة عن سؤال “الغد”، فيما إذا تخلى أحد النواب أو الوزراء عن جنسيته الكندية بعد صدور قرار ازدواج الجنسية، إلا أنها استدركت قائلة إن السفارة “تلقت استفسارات من جهات حكومية، في تشرين الأول (اكتوبر) أي بعد أسبوعين من تطبيق التعديلات”.
وأشارت إلى أن السفارة اكتفت بتزويد الحكومة بمعلومات تخص القوانين والتشريعات الكندية، وكيف يستطيع حامل الجنسية الكندية أن يتخلى عنها وكم من الوقت تأخذ العملية”.
وقالت “لدينا قانون خصوصية يحمي كل من يحمل جوازا كنديا من الإعلان عن معلومات شخصية بدون تصريح من الشخص المعني”، لافتة إلى أن “السفارة أبلغت الحكومة رسميا بذلك”.
واعتبرت أن “مخالفة أي نائب لقانون بلاده ليس شأننا”، وأنه حتى لو كان هناك حاجة ماسة لمعرفة ما إذا كان يحمل جنسية أخرى، لكي يستقيل، فإن أخفى الأمر، فـ”هو يخالف قوانين الأردن وليس قوانين كندا”.
وتابعت أن “هذا شأن بين المواطن الأردني وحكومته وإذا لم يطبق قوانين بلده، فهذا شأنه”.
وفي ردها على سؤال فيما إذا كانت حكومتها تعتبر أن الشخص الحامل لجنسيتها غير مؤهل لحملها في حال قام بالتحايل على حكومته ومخالفة قوانين بلده الأم، قالت “نعتبرها شأنا خاصا ونحاول عدم التدخل بين المواطن والحكومة، فلو كان يمارس دورا غير شرعي في بلده ومخالفا للدستور، وبالنسبة لنا فهو لا يخالف قوانيننا”.
وأوضحت أن “الأمر يكون شرعيا وقانونيا في كندا وأن يحمل أي مسؤول أو غيره جنسية أخرى أو أن يكون مسؤولا في دولة أخرى فهذا لا يخالف القانون لدينا فالعديد من المواطنين يحملون جنسيات مزدوجة وأحيانا ثلاثة، وهذا شائع لأن هذا جزء من هويتنا وثقافة الهجرة لدينا.
وفي ردها على سؤال، فيما إذا وردهم استفسار من الحكومة حول جنسية أميركية لأي نائب، اكتفت السفارة الأميركية بالرد أنه “لا نناقش اتصالات معينة بين السفارة والحكومة الأردنية”.
أما السفارة البريطانية، فأجابت على لسان الناطق الإعلامي باسمها، “لا نعرف من النواب مَن لديه جنسية بريطانية”، موضحة أن “موضوع الجنسية المزدوجة للنواب والوزراء يخص الحكومة ولا يخص السفارة البريطانية ولا نعلق عليه، ووفقا لقانون حماية المعلومات لا نستطيع كشف أية معلومات شخصية”.
ولفتت إلى أن قانون الحماية يشمل أيضا معلومات عن التأشيرات، لأن هذه المعلومات محمية بالقانون أمام القضاء البريطاني، معلقة “لا نعطي معلومات حتى للحكومة، وفي حال المخاطبات بين الحكومات فهذا شأن آخر”.
وكانت الحالة الوحيدة التي أفصح فيها نائب عن حمله لجنسية أخرى كندية، حالة النائب السابق شريف الرواشدة، الذي قدم استقالته من مجلس النواب بعد تقدمه بطلب للتخلي عن الجنسية الأخرى.
وعن سبب إفصاحه، قال “كان لدي جنسية أخرى وأقسمت أن أحافظ على الدستور، فمن الطبيعي أن لا أخفي أمرا كهذا”، إلا أن الرواشدة، انتقد في حديثه لـ”الغد”، السرعة التي خرجت بها التعديلات وتطبيقها السريع فلم يكن هناك وقت “للاختيار”.
“التعديل صدر في 25/9 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 1/10، وهو وقت قصير جداً لمن يرغب بالتخلي عن الجنسية والبقاء في منصبه”، بحسب الرواشدة الذي يرى أن “المجلس العالي لتفسير الدستور أخطأ بتفسيره لأنه كان يجب على المشرع أن يجعل القرار ينص على أن هذا التعديل لا ينطبق على النائب والوزير الحالي”.
وعن رأيه في أي نائب يحمل جنسية أخرى، قال إن “تصرف غير مسؤول لا ينم عن وطنية ولا أخلاق لأن النائب يشرع لبلده ومفروض أن يكون أكثر التزاما بالدستور والقانون”.
ووصف من يخفي ذلك بأنه “بلا انتماء ولا حس وطني لديه ولا أخلاق؛ فالنائب يجب أن يلتزم بقانونه وبدستوره ومن يريد تطبيق القانون فليبدأ بنفسه”.
وفيما إذا كان ينوي الترشح في الانتخابات المقبلة، بما أن إجراءات تخليه عن الجنسية الأخرى انتهت الشهر الماضي، قال “كل شيء في وقته، ربما أترشح بناء على المعطيات في حينها”.
ويرى مراقبون أن “من أخطر الأمور التي تنضوي على اكتشاف هذه المخالفة الدستورية لدى نائب هي أن التصويت لرئاسة مجلس النواب اختلف بفارق صوت واحد لصالح الرئيس الحالي”.
وبالتالي فإن “شرعية رئاسة المجلس” وشرعية كل ما صدر عنه من تشريعات أقرت بصيغ دائمة، تصبح مثار جدل.
وهنا يرى الوزير السابق والخبير القانوني الدكتور أحمد مساعدة أن “نسبة التصويت في القوانين لها أثر رئيسي، فلو سحبت العضوية عن نائب معين، فإن الأمر يعتمد على نسبة التصويت على القرار”.
ويوضح “في حال كان قرارا صوت له 100 عضو، وتبين أن اثنين منهم فقط لديهما جنسية أخرى فلن يحدث فرقا والعكس صحيح”، ولو كان لصوت أو صوتين الأثر في إقرار قانون، فهنا تتضح المعضلة القانونية.
دستوريا، يشير مساعدة إلى أن النائب الذي يجلس في مقعد بالمجلس النيابي، ولديه جنسية أخرى يرتكب مخالفة وهذا يعني أن نيابيته باطلة، وبالمحصلة فإن كل قرارات المجلس التي وقع عليها هذا النائب لا تتمتع بصحة قانونية.
ويضيف “إذا كان هناك متستر فإنه سيتسبب بالطعن في قرارات المجلس لدى الجهات القضائية”؛ وبالتالي فإن كل من تضرر أو له مصلحة بالقرار له الحق بالطعن في صحة القرار.
ووفق الرواشدة، فإن النائب الذي لم يفصح عن حالة الازدواجية “يعتبر فاقدا لعضويته”، يتساءل مساعدة “ما هو وضع القوانين التي اتخذها المجلس أو إحدى لجانه ويوجد بها هذا النائب مثلا؟”.
وزاد “إذا أردنا تطبيق القاعدة القانونية بطريقة صارمة فإن أي قرار اتخذه المجلس به عيب شكلي”.
وكان أعضاء مجلس النواب وقعوا أواخر الشهر الماضي, باستثناء المتواجدين خارج المملكة، على تعهد يقضي بعدم حملهم جنسيات أجنبية، التزاما بالتعديلات الدستورية الجديدة.
النائب رعد بن طريف من النواب الذين أثاروا الأمر، حول “مدى دستورية قرارات المجلس حال تبين لاحقا حمل أحد أعضائه جنسية دولة أجنبية”، والذي تساءل في حديثه لـ”الغد”، “المجلس مرر عدة قوانين مهمة من ضمنها المحكمة الدستورية والانتخابات النيابية، وإذا اتضح أن نائبا معينا يحمل جنسية أخرى فإنه يعتبر فاقدا لموقعه النيابي.. فماذا سيكون مصير هذه القوانين ومن سيجيب عن هذه المعضلة القانونية؟”.
وقال إنه عندما يطرح هذا السؤال، فلا أحد يملك إجابة، متابعا إذن هناك مشكلة، و”لو لدينا محكمة دستورية لسألناها”.
وطرح النائب إشكالية أخرى، وهي أن البعض يمكن أن يقول إن “المحكمة الدستورية ليست دستورية” في حال وجود نائب تبين لاحقا أنه فاقد لموقعه، وقت إقرار قانون المحكمة الدستورية الذي يمتعها بصلاحياتها بالفصل في النزاعات الدستورية.
وفي رده على سؤال حول “لمن يوجه هذا السؤال”، قال “للحكومة” فعليها أن تجد رأيا قانونيا، لتسأل ديوان الرأي والتشريع أو ديوان تفسير القوانين.
ونبه إلى أنه طرح هذا السؤال أمام الحكومة في كلمته خلال جلسة منح الثقة، كما أنه وجه للحكومة ذات السؤال في مجالس غير رسمية، مشيرا إلى أنها تحاول من جهتها اكتشاف إن كان هناك من يحمل جنسية، ولكن “يظهر أنها وصلت لطريق مسدود وفقا لما تابعناه عبر وسائل الإعلام”.
وأضاف “لا يوجد رسميا أية آلية واضحة في الأفق لحل القضية” .
وبالعودة إلى الآليات التي يمكن أن تجدي نفعا، أكد مصدر من دائرة الحدود والأجانب لـ”الغد” أنه “في حال زودت الحكومة الدائرة باسم معين وكانت حروفه بالعربي أو الإنجليزي تتوافق مع ترتيب الحروف بجواز السفر، فإن الدائرة تستطيع تحديد الجوازات التي استخدمها في دخوله وخروجه للمملكة”.
وزاد المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، نستطيع أن نوفر معلومات محددة مثل “هذا الاسم استخدم جوازا اميركيا بتاريخ كذا”، وفي اجابته اذا كان تلقى استفسارا من الحكومة حول اسماء معينة قال “لا”.
وعن دور وزارة الخارجية، وهل تقوم الدول المانحة للجنسية، بتبليغها بأنها منحت مواطنا أردنيا جنسيتها، أكد المتحدث الرسمي باسمها محمد الكايد، أن “الحالة الوحيدة التي تقوم البلد المانحة للجنسية فيها بتبليغ الوزارة هي التي تشترط التنازل عن الجنسية الأردنية قبل منحهم جنسيتها، مثل ألمانيا”.
وأوضح أن ذلك يتطلب قرارا من رئاسة الوزراء، لذا تقوم السفارة الأردنية في برلين مثلا بتبليغ الوزارة بأن هذا المواطن يرغب بالتنازل، ويتم التصديق على القرار.
وأكد أنه “بخلاف ذلك فإنهم لا يتلقون أي خطابات رسمية في حال حصل أي مواطن أردني على جنسية أجنبية أخرى، لا تشترط التنازل عن جنسيته الأردنية”.
وكان الناطق باسم الحكومة راكان المجالي، قال في تصريحات صحفية سابقة، إنه “لا بأس بتأكد البعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج من تمتع أي نائب بجنسية أجنبية”، مؤكدا “ضرورة أن يكون للجهات الأمنية دور في هذا الأمر”.
ودعا المجالي، إلى فرض “عقوبات رادعة” بحق أي وزير أو نائب، أو من ينطبق عليه القانون، حال ثبت حمله جنسية مزدوجة.
يذكر أن التعديلات الدستورية التي وشحت بالإرادة الملكية السامية، ونشرت في عدد الجريدة الرسمية رقم (5117) بتاريخ 1/10/2011، جاءت بأحكام جديدة من حيث حرمان مزدوجي الجنسية من تولي منصب الوزارة (وما في حكمها) وكذلك حرمانهم من عضوية مجلسي النواب والأعيان، وبموجب التعديل الدستوري أصبح نص المادة (42 ) من الدستور (لا يلي منصب الوزارة وما في حكمها إلا أردني لا يحمل جنسية دولة أخرى)، وأصبح نص المادة (75) من الدستور ( 1- لا يكون عضوا في مجلسي الأعيان والنواب: أ- من لم يكن أردنيا، ب – من يحمل جنسية دولة أخرى.