من بين ما كشفته الثورة العربية الراهنة، ان الحكام العرب الذين سقطوا حتى الآن لم يكونوا طغاة حقيقيين، بل كانوا مجرد إهانة لفكرة الطغيان وجوهره وإساءة لسمعة الكثيرين من زملائهم الذين طغوا على مر التاريخ، وحفروا أسماءهم على لوحة العار الانسانية.
كان الحكام العرب الذين أطاح بهم الثوار قساة القلوب، عديمي الإحساس، مارسوا أسوأ انواع القمع بحق شعوبهم، وأخطر انواع التخريب بحق مجتمعاتهم ودولهم. القواسم المشتركة بينهم كانت عديدة، سواء في السلوك ام المظهر ام حتى اللغة التي كانوا يستخدمونه، وكانت تنم عن انقطاع تام عن الواقع، او عن انفصام في الشخصية.
لكن ثمة قاسماً مشتركاً ظهر جلياً في المرحلة التي تلت خروجهم من السلطة الى القبر او السجن، هو انهم جميعاً كانوا يدعون الطغيان، او بالأحرى يمثلونه امام الجمهور، بينما كانوا في الحقيقة مجرد دمى تحركها من وراء الكواليس يد خفية لامرأة ما، زوجة اولى او ثانية او ثالثة او عشيقة رابعة او خامسة، كانت تدير القصر وتتحكم برجاله كافة، بدءاً برجلها الجالس على كرسي الحكم، وصولاً الى حراسه الشخصيين.
بالحرف، قال ممثل الادعاء في محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في مرافعته الافتتاحية امس الاول ان الرجل خضع طوال السنوات العشر الماضية لزوجته سوزان التي كانت تطمح لان تكون ام الرئيس جمال مبارك، أضاف ان الرئيس المخلوع «فضل مصالح أسرته وترك الفساد يعمّ أرجاء الدولة.. وتسبب في تراجع المكانة الإقليمية» لمصر.
لم يعرف ما اذا كان الحضور في المحاكمة ضحك او سخر من اتهام الرئيس مبارك، الذي حط به الادعاء من مكانة الفرعون الى مرتبة الزوج الخانع. لكن المؤكد ان تلك المرافعة التي بدت وكأنها مشهد من فيلم اجتماعي ساذج، قد توفر مخرجاً للرجل من المحاكمة او على الاقل من الحكم الذي يستحقه اي طاغية، والذي بات يفترض ان يصدر بحق الزوجة القوية لا بحق الزوج الخرف، لأنها هي المسؤولة عن خراب مصر وفساد أحوالها وانهيار موقعها.
لكنه ادعاء صحيح الى حد بعيد، وهو ينطبق أيضاً على الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي لم ينجب وريثاً من زوجته الاولى، لكنه أذعن لزوجته الثانية ليلى طرابلسي وعائلتها التي أفسدت تونس وخربتها، والتي اشتهرت ابان الثورة التونسية عندما نهرت زوجها الكهل علناً حتى عندما كان يهم بالرحيل الى المنفى السعودي العام الماضي.
وهو ادعاء صحيح أيضاً بالنسبة الى معمر القذافي الذي يعرف الجميع ادعاءاته النسائية، لكنهم لا يعرفون انه كان ضعيفاً امام زوجته الاولى وأم أولاده الذين كان يريد ان يورثهم الحكم والأمن والاقتصاد، وكل ما في ليبيا. وليس من المستبعد ان يكون جنون العظمة الذي أصابه في آخر أيامه، مصدره نقص في فحولته الجنسية، على ما تروي سير الطغاة جميعاً، وعلى ما توحي أقوال ممرضته الأوكرانية.
وهو ادعاء صحيح أيضاً بالنسبة الى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي لم تكن رغبته السابقة والمستمرة حتى اللحظة في توريث ابنه احمد ناجمة فقط عن كفاءته العسكرية او الأمنية بقدر ما كانت أيضاً ناجمة عن أذعان لمشيئة زوجية، كما يُقال في صنعاء حيث تستعيد المرأة اليمنية دورها في القصر وفي الشارع.
كانت الثورات كما يبدو موجهة ضد نساء القصر.. وربما لذلك ايضاً شاركت فيها المرأة بقوة في الشارع.