قررت الحكومة الحالية الغاء عدد من المؤسسات والهيئات المستقلة والحاقها بالوزارات التي خرجت اصلا وفي السابق من رحمها, لتصبح مزرعة للمتنفذين الذين فصلت لهم مثل هذه المؤسسات والهيئات لاداراتها برواتب خيالية بموجب عقود, ولم تكتف هذه الادارات برواتبها وعقودها, بل فصلت لهذه المؤسسات القوانين والانظمة الخاصة, فاستقلت عن وزارات كانت بالاصل تابعة لها, وخرجت عن سيطرة نظام الخدمة المدنية الذي ينضوي تحته اكثر من (200) الف موظف حكومي.
وجاء قرار الحكومة الحالية بالغاء المؤسسات والهيئات بعد ان اقتنعت بالخطة الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة السابقة والتي هدفت بما هدفت اليه هو هيكلة رواتب الموظفين, بالجهاز الحكومي والغاء المؤ سسات وضمها الى نظام الخدمة المدنية الجديد الذي اريد منه تحقيق العدالة بين الموظفين سواء من يخضعون الى نظام الخدمة ام الى من يخضعون الى قوانين وانظمة مستقلة نظمت شؤون المؤسسات والهيئات المستقلة.
صحيح ان هذا الاجراء حقق العدالة بين العاملين المدنيين في اجهزة الدولة المختلفة, الا انه الغى حقوقا مكتسبة للعاملين في المؤسسات والهئيات المستقلة الذين لا ذنب لهم, الا انهم عينوا فيها برواتب وعقود عالية اوجدت تميزا بين ابناء الوطن الواحد من الموظفين, من حيث الرواتب, بحيث ان خريج اختصاص بكالوريوس الحقوق الذي تم تعيينه عن طريق ديوان الخدمة المدنية حصل على راتب بموجب نظام الخدمة لا يتجاوز (200) دينار, اما زميله في نفس التخصص وسنة التخرج عين في مؤسسة او هيئة مستقلة حصل على راتب بعقد اضعاف ما حصل عليه الاخر.
ويتضح من قرار الحكومة هذا الذي اعاد الوضع الى طبيعته في انضواء جميع العاملين في اجهزة الدولة تحت مظلة نظام الخدمة المدنية وتصحيح الفساد الاداري الذي لحق بالجهاز الاداري منذ عقود من السنوات, وفي عهد حكومات سابقة ارادت فصل بعض الادارات او الاقسام التي كانت تابعة لوزارات وفصلت لها قوانين وانظمة خاصة, واسمتها مؤسسات وهيئات مستقلة, وعينت المحاسيب والاقاراب ومن في حكمهم ليرأسوا ادارتها, ووضعت لها انظمة مالية وادارية تختلف عن نظام الخدمة المدنية, واخرجتها عن مسؤولية ديوان الخدمة المدنية لتمنح قيادتها والعاملين فيها رواتب عالية, وبهذا الفعل قسمت الوظيفة في اجهزة الدولة الى اشكال واصناف الهدف منها منفعة البعض من حيث الرواتب والعلاوات.
وبمراجعة جدية من حيث الانجاز, فان المراقب والمتابع لعمل هذه المؤسسات والهيئات يستنتج خلال مسيراتها التي استمرت كما ذكرت عقودا, انها لم تحقق اي انجاز, بل اصبحت عالة على موازنة الدولة, حيث بلغت موازنات ( 61) مؤسسة وهيئة هذا العام حوالي ( 7ر1 ) مليار دينار. اي ما يساوي ثلث موازنة الدولة وهي رواتب وعلاوات ونفقات لحوالي (22) الف موظف.
ان الحكومة في اصرارها على انهاء التشوهات الادارية من خلال هيكلة الرواتب, والغاء المؤ سسات والهيئات والحاقها في الوزارات تؤكد انه ما لم يصلح الجهاز الاداري, وما لم تحقق العدالة فيه, وما لم تضع حدا للفساد الاداري , فانها لن تصبح قادرة على الاصلاح السياسي والاقتصادي ولن تستطيع محاربة الفساد.